مازلنا إلى الآن نتذكر تماما ما حدث من تداعيات عصفت بالبلاد عصفا كادت أن ترجعنا إلى المربع الأول، لولا تدخل جلالة الملك في الموضوع في الوقت المناسب، وأقصد هنا بالتداعيات التي حصلت للحقوقي عبدالهادي الخواجة، الذي جهر برأيه في ندوة الفقر بنادي العروبة، وانهتى به الأمر إلى الاعتقال والتحقيق والمحاكمة، قام على إثرها عدد من محبيه باعتصامات ومسيرات رافقتها الكثير من الاعتقالات والاجواء الأمنية الخاصة، ولعل من لطف الله تعالى أن تدخل الملك في الوقت المناسب وأطلق سراحه ولولا ذلك لبقت الأوضاع متوترة وغير مستقرة. ولعل من حسن الطالع أنه وفي الفترة نفسها تقريبا حدث أن تعرض أحد المصارف في الرفاع إلى سرقة على يد شخص مسلح في وضح النهار، وتمكنت قوات الأمن من إلقاء القبض عليه، وإخراجه بكفالة بضمان المكان، مع الفارق. تحليل بسيط، الشخص الذي عبر عن رأي يكون جزاؤها الاعتقال والمحاكمة، ولا يسمح له بالخروج بكفالة بضمان المكان حتى وإن كانت ظروفه الصحية غير مؤاتية، وإن كانت الفترة الزمنية شهرا كريما ومباركا كشهر رمضان المبارك. الذي يسرق ويهدد أمن الناس ويحوز سلاحا ويستخدمه في السرقة، يكون جزاؤه الخروج بكفالة بضمان المكان.وبالتالي، فان "الحسبة ضايعة"، والقانون لا يطبق الا على ناس دون ناس. أما ملف الفساد الإداري، الملف الكبير الذي رغم ما نسمع عنه يبقى الكثير الكثير الذي لم نسمع عنه، "وما خفي كان أعظم" كما يقول المثل الشعبي. وهو ما تذكرناه فور قراءتنا للتحقيق الذي أجري مع مدير بنك الإسكان وما نشرته صحيفة "الوسط" العدد ،886 من أشياء رهيبة ومروعة للغاية وصلت إلى حد استغلال مدير المصرف للوظيفة، ويتضح ذلك بجلاء من خلال إعطاء ابنته 3 قروض إسكانية وتكليف شركات خاصة لأقربائه بصيانة المصرف وتغيير ديكوراته، وحيازته لقروض اسكانية بلغت الستة، والاستيلاء على أموال المصرف بغير حق، والإضرار المتعمد بمصالح وأموال المصرف، والتواطؤ مع المراقب المالي ومدير الحسابات والسكرتير الخاص. جملة من التهم، غير المحسوبيات والمحاباة والرشا، أعوذ بالله، "مافيا" خطيرة! صعقنا حقا بما رأته أعيننا من حقائق تمس المال العام، وتضر بشرائح كبيرة من المجتمع، ليست من الإدارة في شيء، مثل عمل تصاميم وديكورات لمقر المصرف على رغم عدم الحاجة إلى ذلك، وتوزيع أثاث مملوك للمصرف من دون مقابل، وبيع سيارة تيويوتا كرسيدا موديل 1995 للسائق الخاص به بدينار واحد فقط على رغم ان قيمتها السوقية 3561 دينارا، تحت عنوان مضحك: "للتشجيع"، وشراء سيارة لكزس 1994 بمبلغ دينار واحد في حين ان قيمتها السوقية 10962 دينارا، وسيارة اخرى ماركة جراند شروكي 1998 للمراقب المالي للمصرف بدينار واحد فقط على رغم ان قيمتها السوقية ،8790 بحجة ان السيارة حين يمضي على شرائها 4 سنوات تصبح قيمتها صفرا! ماذا قدم للناس أصلا من خدمات وماذا حقق من انجازات في مجاله كمدير للمصرف طوال فترة عمله، حتى يطالب بالحصول على معاش تقاعدي يقدر بـ 7261 دينارا؟ المشكلة الكبيرة تولي أناس غير قديرين وغير قادرين على استيعاب مشكلات الناس الأساسية وبالتالي من السهولة بمكان البعد عن القضايا المؤرقة للناس والعيش بمنأى عن همومهم وقضاياهم ذلك أسلم وأهدأ للاعصاب، ولكن مسئولياتهم أمام الله تعالى كبيرة ولا تغتفر، فماذا قدم للكرسي؟ الكرسي قدم له الكثير تمكن من خلاله أن يعيش منعما ومرفها، ولكن ماذا قدم للناس؟ لا شيء! أتعجب كل العجب على رغم أنه يحصل على كل أنواع العلاوات، والاستفادة من كل الامتيازات فإنه لايزال بحاجة ماسة إلى القروض لدرجة أن حاجته تفوق حاجات الناس بدليل البدء بنفسه وترك الآخرين في طوابير طويلة لا أول لها من آخر، وبالتالي المواطنون الاخرون، لا معين لهم، أكبر المشكلات أن بعض المسئولين يعيشون في أبراج عاجية، ويضعون الحواجز أمام المواطنين، وبالتالي لا يسمعونهم، وإلا هل يصدق ان المواطن ينتظر "5" سنوات على أقل تقدير حتى يحصل على مبلغ زهيد جدا لشراء بيت العمر؟ الجميع يعلم أن المبالغ التي تصرف من خلال بنك الاسكان مبالغ متواضعة جدا ويظل المواطن طوال عمره يدفع اقساطها ومع ذلك يضطر لأخذ قرض مساند من أحد المصارف لعله يجد البيت المناسب نظرا لغلاء العقارات، ومع ذلك لم يجدوا حلا جذريا لذلك من خلال زيادة المبالغ التي تصرف كقروض للشراء أو قروض البناء، ويظل المواطن ينتظر كحد أدنى "13" عاما لكي يحصل على قسيمة سكنية متواضعة للغاية يعيش فيها بقية عمره بالقروض والديون، في الوقت التي يطالبون فيه عن حقوقهم من دون منازع، من زيادة رواتبهم وغيرها. لا نسمي هذا الا فسادا إداريا وماليا حتى النخاع وتلاعبا وخرقا للقوانين والقفز فوقها وعدم المبالاة ولا إحساس بالمسئولية الوطنية، ولا نقبل أن نسميه أخطاء إدارية فالأخطاء الإدارية لا تمس المصلحة الوطنية ولا تمس مصالح الآخرين، ماذا قدم أصلا للناس لكي يعطي نفسه الكثير من الامتيازات التي تمثل خرقا لقوانين الخدمة المدنية، فحصوله على بدل سكن على رغم انه لا يعد من استحقاقاته حصوله على بدل سكن باعتباره مواطنا وليس اجنبيا وحصوله ايضا على بدل سيارة بمقدار 100 دينار شهريا على رغم استخدامه لسيارة المصرف، كل ذلك بذخ زائد لا مبرر له وعدم احساس بأهمية المال العام، ناس لا تجد اللقمة لتسد جوعها، وناس لا يعرفون كيف يتلاعبون بالأموال العامة، لذلك نؤكد سلامة الاختيار واهميته. إن الجزاء الذي لابد أن يكون من جنس العمل، ولابد أن نقارن قضية المعتقل بسبب رأيه، وبين السارق بالسلاح وبغير السلاح، ترى هل القانون كفيل بجعل قضية مدير بنك الاسكان عبرة وموعظة لغيره من المتنفذين هنا وهناك، أم ان الأيام كفيلة بنسيان الموضوع برمته وتركه بلا حسيب ولا رقيب، كما حدث في الكثير من القضايا التي علقنا عليها آمالا، ولكن في النهاية، لا يعد الأمر سوى بالونة اختبار. لابد أن نؤكد أن موضوع الفساد الإداري والمالي لا بد من الضرب عليه بيد من حديد ولا تهاون فيه فموضوع كهذا نشر في الصحافة واخذ القاصي والداني يتحدث عنه فأي تراخ فيه يعني تراجعا واضحا وصريحا في الاصلاحات، وللطرف الآخر، يعني مزيدا من الفساد في المستقبل، لأنه يتعارض مع الشفافية وعدو للتنمية، وبالتالي لابد ان نفكر في سلامة المشروع الاصلاحي ومقومات نجاحه. نحن بانتظار الحكم النهائي وعلى حد علمنا بأن عقوبته السجن 30 عاما كحد اقصى وست سنوات كحد ادنى، بالاضافة الى الحكم عليه برد الأموال التي استولى عليها وبددها وتعويض المصرف بمبالغ مساوية للأموال التي استولى عليها. * كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 940 - السبت 02 أبريل 2005م الموافق 22 صفر 1426هـ