لم يشهد التاريخ قط، ولم تذكر حوادثه الشنيعة أبشع مما قام به "بنوأمية" حين أسر نساء وأطفالا فاقدي المعيل، وأركبهم النياق الهزيلة، وأمر غلمانه أن سيروهم في ركب مربوط بسلاسل من بلد إلى بلد ليتفرجوا عليهم بدعوى إنهم خوارج، فمن أعطاهم الحق الشرعي والإنساني أن يقوموا بمثل ذلك؟ فيا لها من جريمة لا تغفر اقترفوها في حق أهل بيت النبوة؟ ويا له من عار لحق بهم، ولهذا حقت عليهم لعنة الأجيال والتاريخ. مسـير الإمام الحسـين "ع" إلى كربلاء دخل الإمام الحسين "ع" مكة المكرمة في اليوم الثاني من شهر شعبان لسنة "60هـ/ 679م"، ومكث فيها أربعة اشهر في دار عمه العباس بن عبدالمطلب، ثم انطلق منها كما أشير في اليوم الثامن من ذي الحجة لسنة "60هـ/ 679م" ليصل الى كربلاء يوم الثاني من محرم لسنة "61هـ/ 680م"، وخلال تلك الفترة نزل الإمام في عدة منازل أهمها: التنعيـم: وهو أقرب حدود الحرم إلى مكة، وفيه شجر معروف وربما سمي به، ومنه يحرم المكيون. الصـفاح: إذ لقي الشاعر الفرزدق الإمام الحسين "ع" والذي قال للإمام "ع" لما سأله عن خبر الناس خلفه: قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية. وادي العـقيـق: وعلى مقربة منه التقى الإمام "ع" بـعون ومحمد ابني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يحملان رسالة أبيهم التي يطلب فيها من الإمام "ع" الرجوع إلى مكة. الحاجـر: إذ بعث الإمام "ع" إلى أهل الكوفة مع سفيره قيس ابن مسهر الصيداوي جوابا على كتاب مسلم بن عقيل يخبره بقدومه. الخـزيـميـة: وفيها أقام الإمام الحسين"ع" يوما وليلة ليستريح من جهد الطريق وعناء السفر وفيها خفت إليه الحوراء زينب "ع" وهي تقول بنبرات الحزن والبكاء: إني سمعت هاتفا يقول: ألا يا عين فاحتفلي بجهدي فمن يبكي على الشهداء بعدي زرود: إذ أقام بها الإمام "ع" بعض الوقت ونزل بالقرب من زهير بن القين البجلي، وفيها أخبر بمقتل مسلم بن عقيل وهاني ابن عروة. زبـالـة: إذ وافى الإمام "ع" نبأ مقتل رسوله وأخيه بالرضاعة عبدالله بن يقطر الحميري. بطـن العـقبـة: وفيها قال الإمام لأصحابة ما أراني إلا مقتولا فإني رأيت في المنام كلابا تنهشني وأشدها علي كلب أبقع. شـراف: وفيها أمر الإمام الحسين "ع" غلمانه وفتيانه بالتزود من الماء والإكثار منه ولما انتصف النهار جاءتهم خيل أهل الكوفة وعلى رأسهم الحر بن يزيد الرياحي، مبعوثا من قبل الحصين بن نمير حارس القادسية، لحبس الإمام "ع" عن الرجوع إلى المدينة وفي هذا المكان دارت المحاورة المعروفة بين الإمام "ع" وبين الحر بن يزيد الرياحي وفيها ألقى خطبته الأولى والثانية على الجيش الأموي وصلى صلاة الظهر بجماعته واقتدى الحر وأصحابه بالإمام "ع". ذوحسـمي: إذ ضرب الإمام الحسين "ع" خيامه وذلك من أجل أن يلوذ رحله بالهضاب ويؤمن خطة للدفاع، فلما سأل الإمام "ع" أصحابه عن ملجأ يلجأون إليه قالوا له: هذا ذو حسمي على يسارك. البيضـة: إذ خطب الإمام "ع" في أصحاب الحر خطبته الثالثة. عـذيب الهـجانـات: إذ لقي الإمام "ع" أربعة رجال قادمين من الكوفة وفيهم نافع بن هلال وبعد أن كلمهم الإمام انضموا إليه وقاتلوا معه. وعند تحرك قافلة الإمام تحرك الحر بجيشه معه أيضا، حيث أتاه كتاب عبيدالله ابن زياد يدعوه فيه للتضييق على الحسين فعمل الحر على منع القافلة من المسير. قصـر مقاتـل: إذ يشار إلى أن الإمام الحسين "ع" أمر فتيانه في آخر الليل بالاستسقاء والرحيل من قصر مقاتل إلى قرى الطف. كربـلاء: إذ وقعت فيه أعظم ماسأة في التاريخ الإنساني ألا وهي معركة كربلاء. تقع هذه الأرض والمسماة كربله - بتفخيم اللام بعدها هاء - جنوب شرق مدينة كربلاء الحالية على بعد 3 كم شرقا و2 كم جنوبا أي في الموضع الذي قال الحر بن يزيد الرياحي إلى الإمام الحسين "ع": انزل هنا والفرات منك قريب، وأغلب الظن أن المقام التذكاري - المعروف بالمخيم الحسيني- والذي يقع على بعد أقل من كيلو متر جنوب غرب مرقد الإمام الحسين "ع" هو الموضع الذي حط فيه الإمام "ع" أثقاله ونصب خيامه وذلك للكثير من الشواهد التاريخية الدالة على ذلك. مسيرة السبي "11محرم - 20 صفر" في صبيحة يوم الحادي عشر من محرم، وبعد استشهاد الإمام الحسين"ع" مع أهل بيته وأصحابه، أمر قائد الجيش الأموي عمر بن سعد بأسر الإمام زين العابدين علي بن الحسين "ع" ونساء الحسين "ع" وأطفاله وحملهم مع رأس الإمام الحسين"ع" ورؤوس المستشهدين معه من كربلاء إلى الكوفة ومنها الى الشام. وقد مروا بمنازل كثيرة - كما نسب إلى أبي مخنف في مقتله - وهي: الكوفة: وصلت القافلة الحسينية وغالبيتها من النساء والأطفال وهن سبايا الى الكوفة في اليوم الثالث عشر من محرم، وهناك خاطبت السيدة زينب "ع" أهالي الكوفة وهم في حال من الندم والبكاء "يا أهل الكوفة، ويا أهل الختل، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة... الخ"، كما ادخلن إلى مجلس عبيدالله بن زياد يتقدمهن الرأس الشريف. نحو الشمال العراقي: إن الرؤوس والسبايا سيروا بعسكر من الجيش الأموي يقودهم خولي بن يزيد من الكوفة الى الشام، إذ انطلقوا من شرقي "الحصاصة"، فعبر بهم إلى "تكريت"، ثم عبروا بهم طريقا برية إلى "أعمى"، ثم مروا على "دير أعور" وبعدها "وادي نخلة" ثم ساروا من وادي نخلة عن طريق "أرمينيا" حتى بلغوا "لبا"، وتابع الركب سيره حتى عبروا "كحيل" ومنها إلى "جهينة" وحاولوا دخول "الموصل" لولا خروج أربعة آلاف مقاتل من الأوس والخزرج لقتال عسكر بني أمية، فطردوا العسكر من بلدتهم وعبروا من "تل أعفر" نحو جبل "سنجار"، ومن هناك انتهوا إلى "نصيبين". سورية: ثم ارتحلوا إلى "قنسرين" فاستقبل أهلها العسكر المرافقين للسبايا باللعن والضرب بالحجارة ولم يسمحوا لهم بدخولها، فانصرفوا منها إلى "معرة النعمان" إذ استقبلهم أهلها بالترحاب، وقدموا لهم الطعام والشراب، ثم توجهوا إلى "شيزر" فمنعوا من دخولها، فتابعوا مسيرهم إلى "كفر طاب" إذ منعوا من دخولها، ونفد منهم الماء واشتد بهم العطش، ولم يجد التماس خولي ورجاؤه لهم نفعا، بل قيل لهم، لن تذوقوا قطرة ماء واحدة، كما قتلتم الحسين وأصحابه عطاشى. ثم انتقلوا منها إلى "سيبور" فانبرت طائفة من أهلها لقتال هؤلاء الكفرة، فدعت لهم أم كلثوم بأن "يسيغ الله مياههم، ويرخص أثمان حوائجهم، ويحجب الطغاة عنهم". ثم توجهوا إلى حلب وهناك سالت قطرة دم من الرأس الشريف على صخرة شيدت عليها مشهد عرف بمشهد النقطة وفقا لما يشير إليه الغزي في كتابه "نهر الذهب" حول تاريخ حلب، وهذا المشهد الشريف عمره سيف الدولة الحمداني وذلك تخليدا وذكرى للقطرة الغالية التي قطرت على الحجر، وشيد بجانبه نحو الجنوب وعلى مقربة منه مشهدا آخر لضريح المحسن، وهو جنين سقط من إحدى نساء الحسين "ع" وكانت حاملا، فلما مروا بهن على جبل الجوشن أسقطت من التعب كما ذكر الحموي في كتابه معجم البلدان، إذ قال في معرض حديثه عن حلب: "وفي غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين يزعمون أنه سقط لما جيء بالسبي من العراق ليحمل إلى دمشق"، ثم توجهوا الى حماة ومنها الى حمص. دخول لبنان: يذكر أبومخنف ان الركب دخل بعلبك إذ استقبلهم أهلها بالطبول والزمر ونقر الدفوف والأهازيج، فدعت عليهم أم كلثوم نقيض ما دعت لأهل سيبور. ويوجد في بعلبك مرقد لخولة بنت الإمام الحسين "ع"، ويشار بشأنها إما سقط لإحدى زوجات الإمام "ع" أو إنها ابنة ثلاث سنوات أنهكتها مسيرة السبي فتوقفت في ظل أشجار قرب قلعة بعلبك الشهيرة إذ فارقت روحها الطاهرة الحياة، ودفنت هناك. دخول مجلس يزيد: وبعد ذلك وصل الركب دمشق في الثاني من شهر صفر، ودخلوا مجلس يزيد بن معاوية، وعلى هذا أشارت السيدة زينب "ع" في خطبتها في مجلس يزيد بقولها "أ من العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدوا بهن من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل". كما خطب الإمام علي بن الحسين "ع" في مجلس يزيد خطبة عصماء، فضحت يزيد وأكذبت أحدوثته بادعائه بأن الإمام الحسين "ع" وأهل بيته هم من الخوارج. العودة إلى كربلاء: وخشي يزيد من وقوع الفتنة وانقلاب الأمر عليه، فسمح للإمام زين العابدين وأهل بيته بالعودة إلى المدينة المنورة برفقة النعمان بن بشير، وفي أثناء الطريق أشاروا على النعمان تحويل رحلهم إلى كربلاء وصادف ذلك يوم أربعين استشهاد الإمام الحسين "ع" الموافق للعشرين من صفر لسنة "61هـ/ 680م"
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 938 - الخميس 31 مارس 2005م الموافق 20 صفر 1426هـ
اللهم صل على سيدنا محمد وال محمد واهدي ثوابها الى سيدتنا ام اسحاق وسيدتنا شهربانو شاه زنان وسيدتنا ليلى وسيدتنا الرباب عليهم الصلاة والسلام زوجات الامام الحسين الاعظم عليه الصلاة والسلام