لقد ولد تجمع الوحدة الوطنية في الحادي والعشرين من شهر فبراير/ شباط الماضي في خضم الأحداث المؤسفة التي عصفت بوطننا الحبيب منذ الرابع عشر من فبراير الماضي. وسواء جاء ذلك كردة فعل طبيعية للأحداث التي انفجرت آنذاك ومحاولة البعض تحريف مسار الحركة المطلبية - الدستورية المشروعة نحو مسار آخر وأهداف وأجندات بعيدة كل البعد عن الأفق الوطني، أم جاءت الولادة بتوجيه وتخطيط مسبق من قبل بعض الجهات النافذة في الدولة، فإن هذا التجمع أصبح رقماً في الشارع السياسي وواقعاً معاشاً يعوّل عليه الشارع السني كثيراً وخاصة بعد أن أخذ يتبلور في صورة جمعية سياسية يريد لها المؤسسون أو مِن مَن وراءهم أن تلعب دوراً فاعلاً في الحوار القادم وفي الحياة السياسية المستقبلية (على المدى القريب على أقل تقدير).
إن ولادة هذا التجمع جاء ربما ليملأ فراغاً سياسياً وجماهيرياً تعبوياً لكنه من المؤكد أنه جاء ليخلق تخندقاً مذهبياً قبالة التخندق المذهبي المقابل، فأصبحت المعادلة السياسية على الساحة هي موازنة تجمع الفاتح بتجمع الدوار، وموازنة تجمع الوحدة الوطنية بتجمع المعارضة الشيعية في الإجمال، وذلك لتأكيد بأنه لا أحد أفضل من الآخر وبأن الجميع يمتلك من الأدوات والوسائل ليواجه به الطرف الآخر وأن لدى الجميع الرجال والإمكانيات ليقف في وجه الطرف الآخر في تشظي طائفي واضح للحياة السياسية والاجتماعية بل والاقتصادية للبلد، واستقطاب واصطفاف طائفي لا حد له للجماهير المنقادة نحو أفق طائفي جياش.
إن هذا الوضع يخلق إشكاليات عديدة على جميع المستويات وقد يهدد السلم الأهلي المتصدع والهش أصلاً، لكنه يخلق مؤقتاً شيئاً من التوازن وبعض الارتياح لدى فئات من الشعب خاصة في الشارع السني الذي أراد أن يثبت عكس ما اتهم به وما ساد عنه من انطباع بأنه كسول وغير فاعل، في مقابل الادعاء بأن الشارع الشيعي مؤطر ومنظم بشكل أفضل وفعال في تجاوبه مع دعوات مراجعه الدينية والسياسية.
والآن وعند الوقوف على بعض الحقائق والمعطيات والتحديات التي تواجه هذا التجمع الوليد، نرى أن هناك سعياً حثيثاً للإسراع بولادته رسمياً وتحوله إلى جمعية سياسية حتى لو كانت الولادة قيصرية - المهم أن يخرج إلى الدنيا وأن يتمكن من المشاركة في الحوار القادم، تمهيداً لمشاركته في الحياة السياسية العامة لاحقاً بعد أن يكون قد تقوّى عوده وتمرس في العراك السياسي وبعد أن تتبلور اتجاهاته وتترسخ أركانه التنظيمية.
إن هذا التجمع الذي يحمل اسم «الوحدة الوطنية» عليه أن يثبت بأنه اسم على مسمى وأنه بإمكانه أن يكون كذلك من حيث التمثيل الفعلي فعليه أن يفسح المجال لغير السنة من المذاهب بل والديانات الأخرى بأن تنخرط في صفوفه عند تسجيله كجمعية سياسية. صحيح أن هناك من شارك في لقاء الفاتح من الشيعة ومن الديانات الأخرى وإن كانت بأعداد قليلة، إلا أن المطلوب أن لا توصم الجمعية الجديدة بصفة طائفية محددة. كذلك فإن احتضانه لأبناء التيارات الإسلامية التي وقفت بجانبه في البداية لأسباب مذهبية وسياسية يجب أن يؤطر بشكل لا يؤدي إلى هيمنة أي من هذه التيارات على هذا التجمع ومن ثم توجيهه في اتجاه يخدم أهداف هذا التيار أو ذاك. وفي هذا السياق فإن انسلاخ مجموعات من التيارات الإسلامية وانضمامها إلى التجمع ربما خلق نوعاً من الازدواجية بين التنظيم الأم والتجمع وربما تثار هنا إشكالية أخرى تتعلق بأولوية الولاء أي الولاء للأم أم الحاضنة الجديدة.
وحتى الآن فإن أموراً كثيرة تعتمد على كيفية إخراج التجمع إلى الوجود كجمعية سياسية من خلال النظام الأساسي الذي يعكف على صياغته مجموعة قد لا تكون متجانسة إيديولوجياً مع وجود بصمات لجهات ليست بعيدة عن الخط الرسمي. لذلك علينا الانتظار كمتابعين للشأن العام لنرى تفاصيل الأهداف ومنهجية العمل لهذا التجمع وهياكله التنظيمية وغيرها من التفاصيل التي ستتضح من خلالها ملامح هذا التجمع ومكوناته الرئيسية، وكيف بإمكانه المساهمة في دفع العملية السياسية في البلاد نحو الأمام وإبراز إمكانياته وطاقاته في حشد الجماهير. ولكي لا يقال عنه بأنه لا يخرج عن كونه رجع الصدى للجهات الرسمية، عليه أن يتجنب التغريد في الفضاء الرسمي وأن يسعى إلى إبراز دوره المستقل، وأن يتخذ قراراته بمنأى عن أي تأثير خارجي سواء من الجمعيات المكونة للتجمع أو الجهات الرسمية.
كذلك فإن على التجمع بعد تحوله إلى جمعية أن لا يتبنى المطالب الفئوية الضيقة، بل يوسع مظلته الاجتماعية لتشمل الناس كافة، بمختلف مكونات الشعب البحريني، وأن يبدي اهتماماً خاصاً بمطالب الناس الحياتية بهدف تحسينها مع إيلاء اهتمام مضاعف بمطالب المتقاعدين والفئات الضعيفة اجتماعياً، انطلاقاً من مبادئ العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الناس وآدميته. إن هذا لا يعني إغفاله وابتعاده عن المطالب السياسية والدستورية المشروعة، وحق الناس في المشاركة في القرار السياسي وتحديد آفاق التطور السياسي الديموقراطي في البلد، كل ذلك انطلاقاً من مبادئ الميثاق الوطني ونصوص دستور مملكة البحرين وتشريعاتها النافذة، وأن يصب كل ذلك لدعم وتعزيز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، كما يجب إيلاء اهتمام أكبر بمسألة القيادة في التجمع بخلق قيادات شابة متفتحة ذهنياً ومؤمنة بالعمل الديموقراطي البناء، قادرة على التصدي للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد بأفق وطني وممارسات داخلية - شفافة و نزيهة لتصبح قدوة للجمعيات الأخرى. بدون كل ذلك تصبح هذه الجمعية ظاهرة عابرة وسحابة صيف لا تمطر ولا تلبث أن تذوب وسط حرارة العراك والحراك السياسي الحامي الوطيس، وشدة التجاذبات والمماحكات، في الأيام القريبة المقبلة
إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"العدد 3209 - الإثنين 20 يونيو 2011م الموافق 18 رجب 1432هـ
مستقبل التجمع
لا يبدو ان التجمع سيخرج بجديد علي مستوي المطالب السياسية .........
رجاء
ولكي لا يقال عنه بأنه لا يخرج عن كونه رجع الصدى للجهات الرسمية، عليه أن ..........أن يسعى إلى إبراز دوره المستقل، وأن يتخذ قراراته بمنأى عن أي تأثير خارجي سواء من الجمعيات المكونة للتجمع أو الجهات الرسمية. يجب ان يفكر في هذه جديا ...............