العدد 3208 - الأحد 19 يونيو 2011م الموافق 17 رجب 1432هـ

الفرطوسي: أحكي قصة فينيسيا العرب

مخرج وثائقي «إيران الجنوب الغربي»...

حاز الفيلم الوثائقي «إيران الجنوب الغربي» لمخرجه محمد رضا الفرطوسي على جائزة «لاهور دي» الخاصة خلال الدورة 18 لمهرجان فيمكا الدولي لأفلام البيئة الذي يقام في مدينة برشلونة الإسبانية في الفترة مابين 1 و 8 يونيو/حزيران 2011. وكان الفيلم قد حصل على جائزة تقديرية خاصة من لجنة تحكيم مهرجان توراستراي في جمهورية التشيك.

الفيلم الذي يعد سابع عمل وثائقي للفرطوسي، يروي حكاية آخر سكان ما تبقى من منطقة الأهوار، بالتحديد الهور العظيم الواقع في جنوب غرب إيران بالقرب من مدينة الأهواز. بجرأة يروى الفرطوسي عبر هذه الدراما الوثائقية «الدوكيو فيكشن» قصة موت الجانب الإيراني من الهور العظيم، معلناً نهاية ثقافة وحياة أهل الهور، وذلك من خلال حياة أسرة تعد هي أيضاً آخر ما تبقى من سكان الهور ممن رفضوا النزوح بعيداً، وفضلوا البقاء مع هور يلفظ أنفاسه الأخيرة. الفرطوسي يتحدث خلال اللقاء معه عما تبقى من الهور العظيم، وعن آخر سكانه، وصناعة الفيلم الوثائقي:

ناقشت قضية بيئية تتعلق بمنطقة الهور العظيم؛ لكنك في الوقت ذاته استعرضت معاناة أسرة هي آخر ما تبقى من سكان الهور. هل تريد أن تشير إلى أن قتل الطبيعة يحمل في طياته أبعاداً أخرى، وأن البشر يعانون كما تعاني البيئة؟

- الفيلم تدور أحداثه كما يدل اسمه في منطقة الأهواز في جنوب غرب إيران وعموماً، يتناول علاقة البيئة بحياة الإنسان والتأثير المباشر لتدميرها على حياته، كما يلقي نظرة على الأهوار المعروفة التي يقع ثلثها في إيران فيما يقع الثلث الباقي في العراق. الفيلم يتحدث عن القسم الإيراني الذي تم تجفيفه بسبب كشف وحفر آبار نفطية في المنطقة وبسبب أحداث سدود للأنهار؛ ما تسبب في هجرة ساكني المنطقة الذين كان النهر المصدر الرئيس لاقتصادهم إلى المدن المجاورة، كما يحكي قصة آخر ساكني هذه المنطقة ويستعرض معاناتهم ومشكلاتهم.

انتقلت من المشكلة البيئية وتحدثت عن انعكاساتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وعن معاناة السكان عموماً، وأوضاع الفقر التي يعيشونها.

- الفيلم يقدِّم بدايات تاريخ منطقة الأهوار، وهي منطقة فريدة من نوعها في العالم وبحسب منظمة الـ «يو إن إي بي» التابعة إلى الأمم المتحدة فهي من أفضل مناطق البرك المائية في العالم، يعيش فيها الناس ويصنعون بيوتهم على الماء وكانوا يسمونها فينيسيا العرب. وقد أصبحت المنطقة معروفة في العالم بفضل الكاتب والرحالة البريطاني تسيجر منذ الخمسينيات؛ إذ دخل المنطقة وصورَّها ووضع كتاب «عرب الاهوار». ثم زارها كاتب بريطاني آخر هو يونغ الذي وضع كتاب «عودة إلى الأهوار». بالإضافة إلى ذلك تم عمل دراسات كثيرة تناولت الأهوار العراقية لكن لم يتطرق أي أحد إلى القسم الايراني. هذه أول تجربة يتم تصويرها بشكل كامل في المنطقة، ويعرض تاريخها الذي يمتد لخمسة آلاف سنة والتي كانت الحياة فيها موجودة بهذه الطريقة. في الفيلم ندخل في تفاصيل الحياة اليومية لآخر سكان الاهوار ونرى كيف يعيشون من صيد السمك أو الطيور أو من صناعات القصب اليدوية التقليدية. الفيلم يعطي نموذجاً من الحياة التي كانت موجودة والآن أًصبحت في بيئة محدودة جداً، كما يعطي فكرة عن مشكلات الهور ويتابع ما حدث لسكانه الذين هاجروا إلى مدينة الاهواز وكوَّنوا أحياء هامشية. إذا أردنا أن نوجز الفيلم في جملة واحدة فهو يعطي فكرة عن منطقة بيئية تم تدميرها بسبب دخول النفط أو إقامة سدود؛ أي بسبب عوامل إنسانية؛ ما أثر مباشرة على حياة الناس الذين لم تتمكن أي ظروف سابقة من تغيير حياتهم منذ خمسة الاف سنة.

هل تختلف معاناة سكان هور العراق ومشكلاتهم عن تلك التي يعيشها سكان الهور الإيراني، وما الذي دمر الأهوار عموماً؟

- المشكلات مشتركة؛ لأن الماء مشترك؛ فما يحدث في العراق يؤثر على القسم الإيراني والعكس صحيح فهي منطقة حدودية مشتركة بين إيران والعراق وهي المكان الذي بدأت فيه الحرب العراقية الايرانية. أما ما دمَّر الأهوار فهي عوامل كثيرة بداية من العراق حين قطع صدام حسين مصب نهري دجلة والفرات في الهور. كان ذلك لأسباب سياسية حيث كان المعارضون لنظامة من الشيعة يهربون إلى الهور بسبب عدم تمكن الدولة من السيطرة على هذه المنطقة التي كانت بيوتها المصنوعة من قصب موجودة في وسط الماء فقام صدام بقطع الماء ليجفف الأهوار ويتمكن من السطرة على المنطقة. أما في القسم الإيراني فقد قامت إيران بعمل سد كرخة الذي منع تدفق الماء لتغذية الأهوار؛ ما أدى إلى تجفيف الهور الإيراني. كذلك فإن إندلاع الحرب واستقرار الجيش في المنطقة كان له دور كبير في تجفيف الأهوار.

ما المصادر التي اعتمدتها لتجميع مادة الفيلم؟

- واجهت صعوبات كثيرة في الحصول على مصادر تتحدث عن القسم الإيراني من الأهوار الذي لم يتطرق إليه أحد سواء باللغة الفارسية أو العربية. لهذا حاولت جمع الرسائل والدراسات التي تم علمها من قبل طلبة الدكتوراه والماجستير، كما اعتمدت على بعض الكتب الأجنبية التي تحدثت عن أهوار العراق. كذلك قمت بعمل زيارات كثيرة للمنطقة صورت خلالها المنطقة بالكامل فوتوغرافياً وذلك على مدى عدة أيام.

ما الصعوبات التي تواجهك عادة كصانع أفلام وثائقية، وهل واجهتك أي مصاعب خاصة في هذا الفيلم في الحصول على تصريحات لتصوير بعض المناطق مثلا؟

- لم تكن هناك صعوبة في الحصول على التصاريح كان هناك جيش وواجهت صعوبات أخرى لكنها الصعوبات العادية التي تواجه أي صانع فيلم. عموماً، المسألة الأساسية في أي فيلم وثائقي أو قصير هي مسألة الحصول على تمويل ودعم، ومصدرهما وهذا أمر مهم جداً لأنهما قد يغيران فكرة الوثائقي بحيث تأتي لصالح الجهة الداعمة، والوثائقي وثيقة يجب أن يكون مخرجها حراً في آرائه وأفكاره في معالجة الفيلم ورؤيته في الحياة. في اعتقادي، أهم صعوبة يواجهها صانع الفيلم الوثائقي، وخاصة في منطقتنا هو عدم وجود اهتمام بالفيلم الوثائقي لعدم وجود أرباح لهذا الفيلم؛ إذ لا توجد صالات عرض وقنوات تعرض هذه الأفلام، هناك قنوات مثل الجزيرة الوثائقية وهي قناة لها دور مؤثر لكن مشكلة الشباب الرئيسية تتمثل في عدم حصولهم على دعم؛ ما يضطرهم لأن يدفعوا من جيبهم وإذا حصلوا على دعم فقد يجدون أنفسهم مجبرين على تغيير مسار الفيلم واتجاهه لصالح الجهة الداعمة وهذا يسبب في اعتقادي كارثة في الثقافة السينمائية على المدى الطويل.

ماذا عن الصعوبة في لفت انتباه المتفرج الخليجي والعربي للفيلم الوثائقي في الوقت الذي لا يوجد فيه توجه نحو الفيلم الوثائقي؛ سواء على مستوى المشاهدة أو الصناعة؟

- بالتأكيد، كل مخرج حين يصنع فيلمه يفكر بالمشاهد؛ لكن قد يسبب هذا الأمر خطورة كبيرة؛ فقد يؤدي ذلك إلى نزول مستوى وثقل الفيلم لجذب المتفرجين. قد يكون لدى المخرج بعض الأفكار التي يود طرحها أو أمور رمزية لكنه يضحي بها من أجل الوصول الى المتفرج. السينما ليست كلاماً مباشراً. ترتيب الصور يعطي أمراً محدداً. من الصعب جذب المتفرج للسينما الوثائقية؛ لأن ثقافتنا في المنطقة لم ترب وتخرج جيلاً من رواد الأفلام الوثائقية والقصيرة؛ فالصالات مملوءة بالأفلام الهوليوودية.

فكيف تغلبت على هذه الصعوبة؟

- حاولت ألا أشعر المتفرج بالكاميرا. هذه هي تجربتي، أردت أن يدخل المتفرج في الفيلم منذ الدقيقة الأولى وأن ينسى وجود مصور أو مخرج وراء الفيلم. حتى شخصيات الفيلم حاولت أن أجعلها لا تشعر الكاميرا، كان هذا امراً مهما بالنسبة لي فقد صورنا أياماً في بيت هذه العائلة مع الرجل أو المرأة وهما يعملان. لأيام عديدة كانت الكاميرا تعمل من دون تسجيل، فقط لتتعود المرأة على وجودها وبالفعل بعد أيام لم تكن المرأة تشعر بالكاميرا ولا المخرج، ولذا بدت كما لو أنها تمثل دوراً كتب لها.

في الفيلم خطان، خط درامي استعرضت من خلاله حياة أسرة تعيش في الهور، وخط توثيقي قدمت من خلاله القضية البيئية. هل هي محاولة لجذب المتفرج؟

- حاولت أن أخرج من المعتاد ومن كليشيه السينما الوثائقية التي عادة ما يكون فيها شخص متخصص يناقش تفاصيل قضية معينة، وتتداخل مع حديثه بعض الصور. حاولت أن يكون الفيلم أكثر جاذبية للمتفرج الذي يشاهد الصورة من خلال كابشن السكريبت الذي يظهر في بعض مقاطع الفيلم والذي يعطي المخرج من خلاله بعض المعلومات دون استخدام الصوت. لم أرد أن يكون هناك إحساس حتى بالصوت؛ بحيث يشعر المتفرج بأن هناك من يعطيه المعلومة بالقوة. المعلومة تظهر لمدة ثوان محدودة إذا أحب المتفرج أن يقرأها فعل وإلا فلا، كما أنها ثوان للاستراحة. حاولت اتباع هذه الطريقة ليكون الفيلم كاملاً يحوي معلومات كافية عن القضية التي يناقشها، فيه جانب تاريخي واقتصادي واجتماعي وإنساني، من خلال تصويره لمشكلات سكان الهور ومناقشة ما يمكن أن يحدث لهم حين يبيعوا الجواميس ويهاجروا إلى الأهواز، وذلك من خلال عرض بعض الصور للأحياء الهامشية التي يمكن أن يعيشوا فيها والتي أصبحت وكراً للمخدارت والمشكلات الاجتماعية. كما إننا لم نؤثر على واقع حياة هؤلاء وقمنا بتصوير حياتهم كما هي؛ ما يعني أن كل ما يراه المتفرج حقيقي ووثائقي.

كذلك قمت بتوظيف بعض المقاطع الغنائية في الفيلم ففي البداية تنطلق موسيقى عراقية ذات شعبية في المنطقة من مسجل السيارة التي ينطلق فيها السائق نحو المنطقة. ثم نرى العائلة مجتمعة لتشاهد مسلسلاً تركياً. ما أردت قوله من خلال هذا هو، أن أهالي المنطقة يسمعون أغان مشتركة ويشاهدون أفلاماً مشتركة؛ بل إن هذه المرأة التي تسكن في هذه المنطقة البعيدة جداً تطلق على جواميسها أسماء مأخوذة من بعض المسلسلات أو الأغاني

العدد 3208 - الأحد 19 يونيو 2011م الموافق 17 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:13 م

      ابن كارون

      شكرا لكم على نشر هذا الموضوع
      و الحمدلله لشباب الاحواز الكثير من الكفائات
      يجب دعمها
      تقبلوا تحياتي

اقرأ ايضاً