العدد 1157 - السبت 05 نوفمبر 2005م الموافق 03 شوال 1426هـ

مشاغبات طلابية ولكن...

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

هذا اليوم، نفسي مفتوحة لتنشيط الذاكرة حول "وجوه" تجمعت في صف واحد بالتوجيهي "قسم الأدبي" في مدرسة الحورة الثانوية لما كانت عليه آنذاك في النصف الأول من السبعينات، وما عليه الآن من "دخول تحت التضاد، وتناقض، وتضاد" بحسب مربع أرسطو في علم المنطق الشهير الذي تعلمناه على يد مدرسنا القدير، الأستاذ يوسف العوضي بتقابل القضايا الثلاث: "التقابل بالتناقض، والتقابل بالتضاد، والتقابل بالدخول تحت التضاد" للكلية الموجبة، والكلية السالبة والجزئية الموجبة والجزئية السالبة؛ الذي أفاد جلنا شرحه وأسلوبه المشوق في دراستنا الجامعية، وربما في حياتنا العملية فيما بعد، وأعطانا دفعا، وشحنات لمقابلة "الحجة بالحجة" في توضيحاتنا العملية للمسائل المختلف عليها فيما بيننا، أو حواراتنا مع الآخرين. لقد ذاقت جل هذه الوجوه في طفولتها مرارة الفقر، وخبرت الاهانات، والسعي وراء لقمة العيش، ومن هنا، كان لابد لخلية التفكير السياسي من أن تلعب دورا حاسما منذ بداية الطريق نحو التوجهات والانتماءات الوطنية، أو حتى مغامراتنا ومشاغباتنا التي نرغب، على رغم معرفتنا الأكيدة لخطورة الاختيار، والمفارقة العجيبة، أن هذه الوجوه ظلت كما هي، سلوكيا وانتماء وما إلى ذلك "ما بين بين". من هذه الوجوه الطيبة أذكر بضعة أسماء مثل: حسن مدن، رئيس المنبر الديمقراطي التقدمي، وعبدالله الدرازي، الناطق الرسمي لجمعية حقوق الإنسان، وناجي أحمد، وخالد البسام، وحسين النهاش، وجمال قاروني، وخليفة اللحدان، الذي غيب في السجن لمدة خمسة عشر عاما، وكانت جريرته يقرض الشعر مع الشهيد سعيد العويناتي. ومن بين ما كانوا، ذلك "البرجوازي الظريف" جميل المديفع، وصاحب الحظ التعيس عبدالواحد حبيب، وذاك "الجميل" الذي يقرأ علينا كل صباح قصيدة: "أين حقي ؟" للشاعر العراقي محمد صالح بحر العلوم التي يحفظها عن ظهر قلب، إذ كانت من ضمن الممنوعات والمحظورات مثل الثالوث المحرم. إضافة إلى ذلك كان معنا: شرف الموسوي، وآخرون يدرسون في صفوف أخرى، لكن قلبهم معنا، مثل أحمد الذكير، وحسن المحروس، وناشطون آخرون يتبادلون معنا الكتب الممنوعة، مثل رواية "العقب الحديدية" لجاك لندن، التي أشك أن يساريا واحدا على وجه الكرة الأرضية لم يقرأها، وكذا "الاقتصاد السياسي" لنيكوتين، وكتب سلامة موسى وجورج حنا، كما يتبادلون أشرطة الشيخ إمام، وفرقة "الطريق" العراقية، وأغاني "جعفر حسن، وجعفر علي، وفؤاد سالم، وعدلي فخري، وفرقة حب مصر وو ...". صاحب الحظ التعيس، كان ترتيبه الأول على الصف، وكان يشرح الدروس بدل المدرسين لفرط نباهته، غير انه فشل عدة مرات لاجتياز مرحلة الثانوية العامة، بسبب ضعفه في مادة الانجليزي، وكان حسن مدن الذي تم فصله مبكرا من المدرسة بسبب نشاطه السياسي ووعيه المبكر، وتنظيمه لإضرابات الطلبة المطالبة آنذاك بضرورة تثبيت نظام الإعادة في الثانوي والإعدادي، قد خطط لمساعدة عبدالواحد حبيب وآخرين ليحصلوا على فرصة تؤهلهم لاجتياز امتحاناتهم التي يتخلفون عنها لأي سبب كان. وهذا ما كان، فكان معظمنا قد تم فصله للأسباب المذكورة، لكن مدد الفصل كانت "مؤقتة" بخلاف حسن مدن، وآخرين قدموا امتحاناتهم النهائية عن طريق "الدراسة المنزلية" دفعوا ضريبة باهظة، ولولا ثقافتهم العالية، لما تسنى لهم الدراسة في الجامعات. مدن، وهو المتعود على دفع الضرائب، انتقل إلى القاهرة، وكادت هذه الأخيرة أن تسلمه لسلطات المنامة لولا تدخل اتحاد العمال العرب ونقله مع الوفد الرسمي إلى بغداد، ومن بغداد إلى سورية، ومن سورية إلى موسكو، وحصوله على شهادة الدكتوراه، ليعود إلى سورية، ومن منفى إلى منفى حتى استقر به الأمر العمل في الإمارات، ويعود بعد ثلاثة عقود مع الطيور المهاجرة إلى أرض الوطن في "ربيع البحرين 2001"... والبقية تعرفونها. أما الدرازي وهو صاحب الترتيب "الثاني في الفصل" فقد غادر إلى البصرة ليدرس مع قاروني الأدب الانجليزي، ومن البصرة إلى بريطانيا ليحصل على الدكتوراه في الأدب الانجليزي، ويدرس في جامعة البحرين. خالد البسام هو الآخر تغرب وعاد، وأصبح كاتبا ومؤرخا، وله إصدارات كثيرة وكاتب عمود يومي، وربما ثقافته كانت في بداياتها في الصف الثاني ثانوي الذي جمعتنا وإياه حتى التوجيهي في "مماحكات" عرفتها التيارات الوطنية آنذاك بدس الأوراق المخيفة، أو بالنقاشات الحامية الخلافية، وما إلى ذلك من سباقات الكسب للأصدقاء والأنصار، أو حتى "الرفاق"، غير أن ناجي أحمد كان مختلفا، صديقا للكل، يقرأ أدبيات هذا ويجالس ذلك، إلا أن الطرفين عجزا عن ضمه، أو كسبه لهذا التيار من ذاك، وكان يحترم الاثنين، ويقرأ للاثنين، ويجالس الاثنين إلى يومنا هذا، وسرني ذات مرة من انه مخلوق للعمل في منظمة حقوقية وليس سياسية، لأن الأخيرة: "مهاترات وخلافات ووجع رأس بين الأخوة الأعداء". أحب أن أكون محايدا غير منحازا إلى أحد، وفي لحظة صفاء قلت له: "لو كنا نعلم عنك بذلك في الماضي لخوناك، أنت الشاطر الوحيد فينا؛ لأنك أحببتنا فأحببناك إلى يومنا هذا".

العدد 1157 - السبت 05 نوفمبر 2005م الموافق 03 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً