المخاض الذي تمر فيه الساحة الشيعية بشأن الاحكام السرية ليس أمرا جديدا، وكما تمت الاشارة بالأمس فان هذه المسألة المعقدة ترتبط بالقضاء الشرعي وكيف تطور منذ مطلع القرن الماضي. حاليا، فان الآراء المطروحة على الساحة يبدو انها لاتتحاور بصورة مباشرة، وأصبحت الصحافة وخطب الجمعة والمسيرات هي اللغة التي يستخدمها الاطراف في ايصال الرسائل لبعضهم بعضا. وربما ان عدم الاقدام على فتح الحوار بصورة مباشرة له علاقة بعدم تعود اطراف الدولة والمجتمع على اجراء الحوارات، بل ان لغة الشك والظن والاشاعة هي التي تسود ويختفي المنطق في وسط الضباب. المجلس الأعلى للمرأة يقود حملة لاصدار قانون الاحكام الاسرية الذي تم إعداده بعد الحديث مع مختلف الجهات، ولكن ينبغي ان يمرر من خلال البرلمان لكي يصدر في الجريدة الرسمية ويصبح قانونا تسير عليه محاكم الشرع عندما تحكم في قضايا الزواج والطلاق. على الجانب الآخر يتحرك المجلس العلمائي الذي يقوده الشيخ عيسى أحمد قاسم لمعارضة طريقة اصدار القانون. والنقطة التي يثيرها الشيخ عيسى هي ان القانون قد يصدر في المرة الاولى بحسب المذهبين السني والجعفري، ولكن لاحقا قد يتم تغييره ما لم تكن هناك ضمانات دستورية، او بقوة مثيلة للدستور، تمنع تبديل احكام الاسرة "بحسب المذهب الجعفري" من دون الرجوع الى المرجعية الدينية. الطلب يبدو واضحا، ويمكن الحوار مع من يعنيهم الامر من علماء الدين السنة والشيعة واركان الدولة، ويمكن التوصل الى اتفاق يرضي الجميع. ولكي يبدأ الحوار، فان على اطراف الحوار ان يقرروا الجلوس مع بعضهم بعضا أولا، والدخول في كل تفاصيل ما يختلفون حوله. وبما ان المجلس الاعلى للمرأة قد دعا الى الحوار، وعلى ما يبدو فان المجلس العلمائي استجاب، فان عليهما إيجاد الصيغة التي سيتحاوران عليها بصورة مباشرة من دون الحاجة الى طريقة "اياك أعني واسمعي ياجارة". بامكان المجلس العلمائي ان يحدد فريقه للحوار بعد ان أعلن المجلس الاعلى للمرأة فريقه. بامكان الفريقين ان يجتمعا في أي مكان شاءا وبالطريقة التي يودانها، وبامكانهما فتح الاوراق وصوغ الجمل والعبارات وتبادلها فيما بينهما. وبامكان المجلس العلمائي ان يطرح خيارات تكون مقبولة له وللدولة ايضا، بشأن ما أطلق عليه بالضمانات. فالحوار يتطلب ان يفتح المرء عقله، اما ما دون الحوار فيتطلب من المرء ان يفتل عضلاته. اذا كان الهدف هو حل الاشكال فهناك وسيلة متاحة... واعتقد ان مطلب المجلس العلمائي يمكن تحقيقه فيما لو قرر ان يجلس ويتحاور مباشرة مع من يعنيهم الامر. ان المؤسف له حقا هو اقحام كل الموضوعات في بعضها بعضا، واستخدام أسلوب واحد فقط للتعاطي مع كل الموضوعات. وهذا لايعني انه ليس من حق هذه الفئة او تلك ان تعبر عن رأيها بالطريقة التي تود، شريطة ان يكون ذلك سلميا، ولكن الامر يتطلب اختيار العلاج المناسب للداء الذي يتم تشخيصه بصورة عقلانية وواضحة. ان أملنا ان يبادر علماء الدين الشيعة الى الحديث مع بعضهم بعضا "وهم حاليا يتحدثون بلغات متباينة"، وأن يتحدثوا ايضا الى اخوانهم علماء الدين السنة الذين لهم ايضا وجهة نظرهم. كما ان الأمل في ان يبادر المجلس العلمائي بالاتصال مباشرة بالمجلس الاعلى للمرأة "أو ان يردوا على مراسلات بعضهم بعضا بصورة واضحة"، ومن ثم الجلوس على طاولة المفاوضات "او على بساط البحث" ومن ثم التوصل الى ما يمكن التوصل اليه لارضاء مختلف الاطراف. لقد وصلنا الى مرحلة يمكننا ان نمد الجسور ونتفاهم، او نختلف، من دون الحاجة الى افساح المجال لمن يود الاصطياد في الماء العكر ان يجد فرصة له في ذلك. لقد أبدت الدولة مرونة بشأن قانون المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، وعدلت بعض مواد القانون استجابة لما طرحه الشيخ عيسى قاسم، والامر ذاته يمكن ان يتكرر، بما يحفظ الشريعة ويحفظ حقوق العباد
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1157 - السبت 05 نوفمبر 2005م الموافق 03 شوال 1426هـ