العدد 3206 - الجمعة 17 يونيو 2011م الموافق 15 رجب 1432هـ

رؤى للحوار... شرعية النظام وشرعية المشاركة (2 - 2)

محمود القصاب comments [at] alwasatnews.com

.

في الجزء الأول من هذه المقالة أوضحنا أهمية وضرورة أن تكون المشاركة في الحوار قائمة ومبنية على قاعدة وطنية وليس قاعدة دينية أو مذهبية طالما أن القضايا موضوع البحث والحوار هي قضايا سياسية وتشريعية قابلة للتبديل والتعديل، لذلك رفضنا كل الدعوات التي تحاول تسويق الصيغة أو الرؤية الطائفية لعملية الحوار سواء على مستوى الأسس والأهداف أو على مستوى الأطراف المشاركة فيه (سنة + شيعة). وقد أكدنا أهمية مبدأ التوافق الوطني، كونه يمثل قاعدة أساسية ومرتكزاً مهماً لإنجاح الحوار والوصول به إلى نهايته المرجوة، وكذلك نوهنا إلى أهمية الحلول السياسية الوطنية القائمة على «بنيات داخلية» وآليات دستورية مشروعة تؤكد إقرار كل الأطراف بشرعية النظام من جهة، والإقرار بأهمية إجراء إصلاحات حقيقية وشاملة من جهة ثانية. بالإضافة إلى ضرورة أن تعي الدولة حاجتها إلى الإجماع الوطني، الذي يمثل السند الوحيد في مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية واستبعدنا في ظل هذه الحقيقة أن تقوم الحكومة (أية حكومة) بضرب الإجماع الوطني بيدها.

ونريد، في هذا الجزء الثاني والأخير من هذه المقالة، تناول بقية الرؤى التي نرى ضرورة استحضارها في سياق الاستعدادات الجارية للدخول في عملية الحوار في الشهر القادم، كما جاء في دعوة جلالة الملك.


الرؤية الثانية:

أن تقوم جميع القوى والأطراف المعنية بالحوار الوطني بدراسة متأنية وموضوعية لفكرة أو مقترح وجود «هيئة» أو لجنة تمثل فيها كل الأطراف، تأخذ على عاتقها مهمة وضع أسس ومحاور الحوار وتحديد آليات عمله وبرنامجه الزمني، قبل الذهاب إلى مؤتمر الحوار. وفي تقديرنا أن وجود ولي العهد سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة على رأس هذه الهيئة، إن من جهة القيادة أو من جهة الإشراف، سيكون عاملاً مساعداً، بل وضامناً لنجاح أعمال هذه الهيئة، كون سموه هو المعني والمكلف من جلالة الملك بهذه المهمة، كما أن سموه يمسك اليوم هذا الملف على المستوى الدولي للحصول على الدعم اللازم له. كذلك نعتقد بأنه ليس هناك أي تعارض أو تناقض بين القبول بالجلوس على طاولة الحوار، والدعوة إلى جعل مبادرة سمو ولي العهد ذات النقاط السبع المعروفة والمعلنة، منطلقاً في صياغة أسس ومحاور الحوار الرئيسية التي ستخضع بدورها للنقاش والتفاوض قبل التوافق عليها في المؤتمر الوطني العام للحوار الذي ستدعو إليه السلطتان التشريعية والتنفيذية، كما طالب به جلالة الملك عندما دعا إلى الدخول في عملية الحوار ليكون «استكمالاً» لمبادرة ولي العهد.

لذلك، ندعو جميع الأطراف إلى التعامل مع هذا التصور (المقترح) من منطلق المصلحة الوطنية، وعدم التسرع في رفضه أو اتخاذ موقف سلبي ومتشنج منه لمجرد أنه صادر عن هذا الطرف أو ذاك، فالعمل السياسي لا يجب إخضاعه لمثل هذه العواطف والانفعالات التي تحجب الرؤية الصحيحة عن المصلحة الوطنية، وتحول دون اتخاذ الموقف المناسب، فلابد أن تدرك جميع الأطراف أن أية مكاسب سياسية واجتماعية أو اقتصادية يمكن أن يسفر عنها الحوار، هي في نهاية المطاف مكاسب لكل المواطنين، ولن تكون حكراً على فئة دون أخرى، وبالتالي ليس هناك من معيار لجدية هذا الحوار وضمان نجاحه سوى الاتفاق على الخروج بإنجازات وخطوات جادة وملموسة على مستوى التشريعات الدستورية والسياسية وعلى مستوى زيادة هامش الديمقراطية والحرية على كل المستويات في الدولة. فليس لأحد أن يتصور أو يفكر في قبول نتائج يمكن أن تعود بنا إلى نقطة الصفر، أو «تقطم» من رصيد ما تحقق خلال العقد الماضي، هذا عوضاً عن البناء عليه وتطويره. نقول ذلك ونحن نعرف ونلمس بعض الهواجس وعوامل الخوف التي تتلاعب بعقول البعض، ونحن مع ضرورة أن يشعر الجميع بالاطمئنان واستبعاد أية محاولة «للاستحواذ» على تلك المكاسب وإقصاء الآخر منها، لذلك على الجميع في هذه المرحلة الإقرار بأنه لا مناص من «التوافق الوطني» واعتماد خيار «الديمقراطية التوافقية» نظراً لعدم إمكانية تحقيق مبدأ «الغالبية الديمقراطية» لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، وان اللجوء إلى الديمقراطية التوافقية (رغم بعض سلبياتها) هي في الواقع تمثل حالة من إدارة الصراع الداخلي بين المكونات السياسية والمذهبية في البلاد وأنها تمثل أفضل البدائل والخيارات المتاحة في هذه المرحلة نظراً لسيادة حالة عدم الثقة وتفاقم حدة الاصطفافات الطائفية. وعلينا أن نقر، بكل أسف، أن الطائفيين قد نجحوا في تخويف وإرعاب الشعب، أو مكون أساس منه، تحت ذريعة تكرار «سيناريو العراق» واحتمالات بروز ظاهرة الفرز على الهوية، وهو الأمر الذي أدى إلى الانقسام الخطير الذي شهده الشارع البحريني، وساهم بالتالي هذا الوضع في خلط الأوراق، وتهيئة الظروف المناسبة للالتفاف على المطالب الحقيقية والمشروعة للشعب البحريني.

من هنا نحن اليوم نوجه حديثنا بشكل خاص إلى الأطراف التي «تتغذى» من هذا التصور، و «تتبنى» خطاباً حدياً، سمته الأساسية «التخوين» و «الإقصاء» للآخر والذي جعلت منه محوراً لتفكيرها ومرتكزاً لتحركها تحت ضغط الشارع الذي عبأته وشحنته بصورة خاطئة... إن هذه الأطراف مطالبة اليوم أكثر من غيرها بسرعة مغادرة هذا التفكير أو التوجه الضار، لأنه قائم بالأساس على عقلية أو معادلة (منتصر ومهزوم) واستمرار مثل هذا التوجه وسحبه على أجواء الحوار يلقي بظلال من الشك في النوايا، وفي سقف الإصلاحات والمكاسب السياسية والدستورية المتوقعة والتي يمكن التوافق عليها في «مؤتمر الحوار» وخاصة مع استمرار أجواء الشحن الطائفي وتنامي لغة التحريض والكراهية، وتزايد دعوات الانتقام الموجهة ضد بعض مكونات المجتمع وضد بعض القوى السياسية. ولابد للجميع أن يدرك أنه ليس هناك من سبيل أمام الديمقراطية، وأنه لا معنى أو أي مغزى للحديث عن «الدولة المدنية» طالما بقيت مثل هذه الأجواء مسيطرة على سلوكنا وتفكيرنا (ونحن هنا لا نستثني أحدًا) وطالما ظلت بعض الهواجس والظنون المذهبية تتلبسنا.

فليس هناك أية فرصة لنجاح دعوات الحوار إذا كانت «النخب» أو «القوى» المتصدية للحوار «متلبسة» بالنعرات الطائفية، ومتوشحة بالرايات المذهبية، وزاعقة بأصوات التحريض والكراهية!


الرؤية الثالثة:

على الجميع الإقرار والإعلان بأن البحرين جزء من منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، التي ترتبط شعوبها بأواصر الدم والنسب ووشائج القربى، بالإضافة إلى حقيقة عروبة البحرين وانتمائها إلى محيطها القومي العربي، وان شعب البحرين جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وهذا مبدأ ليس خاضعاً للنقاش أو المساومة وعلينا كذلك الإقرار والاعتراف بأن أوضاع البحرين لا تماثل أوضاع مصر وتونس واليمن وليبيا، (في التفاصيل) وأن لكل بلد خصوصياته، ولكن طالما أقررنا بأننا جزء من الوطن العربي الكبير، فالمؤكد أن البحرين ليست محصنة ضد التأثر أو التأثير بموجات الإصلاح التي تجتاح المنطقة العربية، بل إننا لا نتجاوز الحقيقة، إذا قلنا إن البحرين قابلة للتأثر السريع بتداعيات الموجة أكثر من غيرها من دول المنطقة بأسباب ليست خافية على أحد، لذلك ليس من العدل أو الإنصاف وصم كل الحراك الشعبي، وكل القوى المشاركة فيه بالطائفية وربطها بأجندات خارجية، مع إدراكنا التام بأن قوى إقليمية ودولية مثل إيران والولايات المتحدة الأميركية وغيرها سوف تلجأ حتماً إلى استغلال الأوضاع ومحاولة توظيفها لخدمة أهدافها ومصالحها في المنطقة، كما يجب أن نقر وندرك أيضاً بأن هناك بعض القوى والأطراف الداخلية لها أجندتها الطائفية، وهي عادة تلجأ إلى استخدام «المذهبية» كأداة للتعبئة والإثارة والتحشيد.

وعلى صلة بهذه النقطة، يجب التأكيد على أمن وسلامة البحرين ضد أي تهديدات خارجية وأية تدخلات في شئونها الداخلية، وهنا المسئولية تقع على جميع المواطنين وكل القوى والمنظمات السياسية والمجتمعية، وواجبها الوطني يحتم عليها المحافظة على أمن واستقرار البلد، والمحافظة على الوحدة الوطنية ومنع انكشاف البلاد أمنياً أمام التحديات والمخاطر الأمنية الخارجية أو تحولها إلى ساحة صراع إقليمي ومذهبي سيقود حتماً إلى إشعال المنطقة برمتها.


الرؤية الرابعة:

التأكيد على سلمية كل التحركات المطلبية، ورفض اللجوء إلى العنف مهما كان شكله أو حجمه، وضرورة إبعاد هذه التحركات عن الخطابات «المتشددة» وعن الشعارات «المتطرفة» كما يجب ألا تكون هناك أية فعاليات خارج القانون وغير منضبطة، نقول ذلك من تجربة الأحداث خلال الأشهر الماضية، فقد كانت هناك بعض «الشعارات» المنفلتة، وكانت مسئولة بشكل أو بآخر عن أجواء التوتر والاستعداء الطائفي التي سادت البلاد في تلك الفترة دون أن نغفل عن حقيقة مهمة ذات صلة بالموضوع وهي أن الدستور والقانون قد أجازا تنظيم المسيرات والتجمعات السلمية وهذه حقوق ليس لأحد أن ينتقص منها أو يصادرها تحت أي ظرف من الظروف.

في موازاة ذلك، مطلوب العمل الفوري لوقف حالات الانتقام ودعوات الثأر وتصفية الحسابات التي باتت تسيطر على عقول ونفوس البعض، وهنا لابد من التطرق إلى دور الإعلام، بل وكل المفاصل الإعلامية في الدولة من «صحافة» و «تلفزيون» و «مواقع إلكترونية» ودورها في هذه المرحلة في أن تكون أدوات للإعلام الحر الذي يتعامل مع جميع المواطنين بحيادية ومهنية، وأن يساهم في تخفيف الاحتقان الطائفي، ووقف كل حملات التحشيد والتحريض.

كما أن المرحلة تتطلب توجه الجميع بشكل عاقل ومسئول من أجل استعادة اللحمة الوطنية، ووقف النزيف المتواصل والعمل على تضميد الجراح، لأن البديل يعني استمرار الشرخ الطائفي الذي يهدد وحدة البلاد ويشرع الأبواب أمام التدخلات الخارجية.

ماذا يعني كل هذا الذي قلناه بخصوص تلك الرؤى، في تلخيص مكثف وما الذي تتطلبه من خطوات والتزامات من قبل الأطراف المعنية بالحوار، وبمستقبل العمل السياسي برمته في البلاد؟ باختصار، هذه الرؤى تكشف حاجة البلد إلى استراتيجية وطنية شاملة تقوم على ثلاثة محاور أساسية وتعتمد لنجاحها بالإضافة إلى توفر الإرادة الصادقة للمواطنين ولكل القوى السياسية، دعم جلالة الملك لها, وسيشكل ذلك دون أدنى شك عاملاً أساسياً للنجاح كون جلالته صمام أمان هذا البلد ووحدة شعبه.

وأول هذه المحاور يختص بإقرار مبدأ الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية، القائمة على المواطنة والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين. وثاني هذه المحاور التمسك ودعم خيار الأمن والاستقرار لكل المواطنين، ولكل مدن وقرى البحرين، مع التمسك بكل قيم حقوق الإنسان ومبدأ العدالة والإنصاف مع الجميع، فالتمسك بمطلب الأمن والقانون لا يعني السماح بأية تجاوزات على حرمات الناس أو التعدي على أرواحهم وممتلكاتهم، ومعاقبتهم بصورة جماعية.

في الوقت ذاته، مطلوب إقرار واعتراف الجميع بأن الحرية والديمقراطية والمساواة لا تعني السماح أو القبول بتلك المحاولات الرامية إلى ضرب الشرعية الدستورية والخروج على القانون عبر اللجوء إلى العنف والفوضى.

وثالث المحاور، ضرورة التوجه لتفعيل دور القوى الوطنية والديمقراطية، وجميع قوى ومؤسسات المجتمع الوطني والأهلي.

كذلك فسح المجال لكل الشخصيات الوطنية وعقلاء هذا البلد وهم - لله الحمد - ليسوا قلة، وليسوا حكراً على فئة دون أخرى! للعمل معاً من أجل إنقاد البحرين وإخراجها من أزمتها الراهنة واسترجاع عافيتها، بعد أن جرى خطفها وجعلها تدفع أثماناً باهظة بسبب حماقات بعض المتشددين، والتي مازالت للأسف تدفع حتى يومنا هذا تكاليف مضاعفة بسبب الغرائز المنفلتة لبعض الموتورين والمنتفعين.

أخيراً نقول لبعض الباحثين عن «الأدوار» على حساب عذابات الناس، أن يكفوا عن النفخ في النار وإشعال حرائق الثأر والانتقام، ويجب أن يعلموا أن استمرارهم في لعب هذا الدور «المشين» و «العدائي» سيأخذ البلاد إلى هاوية سحيقة ومدمرة، وسوف يكونوا هم وحدهم من يتحمل المسئولية أمام الله وأمام الناس والتاريخ، وهم من يتحمل المسئولية عما حملته وسوف تحمله نفوس الناس من أحقاد وكراهية تجاه بعضهم البعض.

وليكن قول المولى عز وجل - وهو قول الحق - هو الموجه لسلوكنا وخطابنا في هذه الفترة العصيبة. «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، أدفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت: 34) صدق الله العظيم

إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"

العدد 3206 - الجمعة 17 يونيو 2011م الموافق 15 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:00 ص

      الخارج

      ادعو الجميع الى النظر لمصلحة البحرين من اجل الخروج من هذه العقدة .. يجب على الجميع تقديم تنازلات من اجل انجاح هذا الحوار , لا اتفق مع من يعلق قراراته ويستقوى بالخارج لفرض اية شروط , الخارج لن ينفع طويلا .

    • زائر 1 | 11:56 م

      لو أخذنا الدرس مما حصل

      ما حصل كان امتحان ومحك لتقبل الديمقراطية وقد سقطتنا في ذلك كدولة وكمعارضة بدرجة ما
      أما الدولة فلم تستطع استقطاب الناس والتعامل معهم بأسلوب ديمقراطي كنا نطمح إليه وما حصل كان يمكن أن نتجازه بنجاح لو أننا فكرنا أنه امتحان صعب لو خرجت منه السلطة بنجاح فسوف تكون شهادة لها محليا ودوليا ولكن للأسف
      كذلك بعض أقطاب المعارضة وأكثرهم من قليلي الخبرة لم يقرأوا الحدث جيدا ولم يستطيعوا التعامل معه كما يجب وذلك بسبب قلة خبرتهم وعدم قرائتهم للمحيط الدولي والإقليمي

اقرأ ايضاً