العدد 3205 - الخميس 16 يونيو 2011م الموافق 14 رجب 1432هـ

رؤى للحوار... شرعية النظام وشرعية المشاركة (1 - 2)

محمود القصاب comments [at] alwasatnews.com

.

ليس بمقدور أحد أن يجادل بأن البحرين عاشت، ومازالت تعيش، منعطفاً مهماً وخطيراً بعد الأحداث التي شهدتها البلاد طوال الأشهر القليلة الماضية والتي كانت لها تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية، ستبقى الدولة والمجتمع والمواطنون جميعاً يدفعون تكاليفها لفترة من الزمن لا يعلم سوى الله كم ستدوم.

ولعل أخطر تلك التداعيات هذا الانشطار الاجتماعي والطائفي الحاصل اليوم، وما يولده من أفعال وردود أفعال متقابلة ستفضي حتماً في حال استمرارها إلى نتائج سلبية وإلى نشوء واقع اجتماعي غير متجانس يصعب تجاوزه بالنوايا الحسنة فقط.

وهذه النوايا هي التي تدفع اليوم بعض الأطراف والجهات الصادقة في الدولة والمجتمع للقيام بمحاولات وبذل الجهود لرأب الصدع، إلا أن البلاد مازالت تعيش أجواء يغلب عليها انعدام الثقة بين مكونات المجتمع وبين الدولة والقوى السياسية بفعل تراكم الغضب والاحباطات التي مازالت تفعل فعلها في النفوس.

ومع كل الآلام التي تعتصر القلوب، وعلى رغم النظرة السوداوية التي يصر البعض على أشاعتها وترسيخها، ومع الإقرار بوجود بعض الصعاب الحقيقية التي تحول دون تلك الجهود الصادقة لانتشال البلد من «عتمته» عبر إضاءة شمعة هنا وهناك، نقول على رغم كل ذلك، يجب علينا ألا نستسلم لهذا الواقع المؤلم والبغيض، بل على العكس نحن مدعوون جميعاً إلى اجتراح الحلول وشحذ العقول والضمائر من أجل الإمساك بأية نقطة ضوء نراها وسط هذه «العتمة»، فقدر هذا الوطن أن يكون موحداً، وقدر هذا الشعب أن يبقى متآخياً متصالحاً مهما بلغت الخصومة وانعدام الثقة بين مكوناته الاجتماعية والسياسية.

بسبب هذا «اليقين» ومن أجله نحن اليوم نرحب ونتمسك بدعوة الحوار التي دعا إليها جلالة الملك، لأنها تقدم الأمل من جديد وتفتح أمامنا نافذة على المستقبل، بعد أن سيطر اليأس والإحباط، وبعد أن جرى تغليب الخيار الأمني، وبعد أن تغلب منطق القوة والعنف وتراجع منطق العقل والعدل، والمهم اليوم كيف نحسن استثمار هذه الفرصة وكيف تثبت كل الأطراف (الدولة والقوى السياسية) مدى جديتها وحقيقة توجيهاتها للخروج من أزمتنا الراهنة.

ومن أجل تقريب المسافة بيننا وبين هدف الحوار والاقتراب من الحلول الناجحة والمطلوبة، نشير في سياق هذه المقالة إلى عدد من الرؤى التي نعتقد بأهميتها وضرورتها، دون أن نجزم بتفردها أو حصولها على إجماع كل القوى والمكونات السياسية في البلاد. وقبل الولوج في تفاصيل هذه الرؤى، نرى أنه بات من الضروري بل من الواجب الوطني لجم كل أصوات شياطين الطائفية وإسكات تخرصات جلاوزة التحريض والكراهية، مهما كانت الجهة التي ينتمون إليها أو العناوين السياسية التي يمثلونها وإرجاعهم إلى مخابئهم لأنهم وحدهم اليوم مصدر كل هذه السموم التي تلوث سماءنا وأرضنا، وهم وحدهم مصدر التأزيم الذي يعمل عل إفساد طيبة وسماحة وعفوية شعب البحرين الذي ظل على امتداد التاريخ يرفض كل دعوات التقسيم والتمزق الطائفي والمذهبي، ولم يكن يعرف مثل هذا الفجور والتوحش في الخصومات والعداوات.

نقول ذلك من باب أن دعاة الفتنة والتحريض هم في واقع الأمر نتاج للأزمة التي عصفت بالبلاد، بل هم أحد أسباب استمرارها وتعمقها، أي أن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا جزءاً من الحل، وأن المرحلة تتطلب أجواء من التسامح وإشاعة روح المحبة والتآخي، والابتعاد عن كل ما ينكأ الجروح، وهذه قيم يصعب كما يبدو على مثل هؤلاء التعاطي معها أو التجاوب مع شروطها. لذلك ليس أمامهم سوى الانكفاء والتواري عن الأنظار وإفساح المجال لأصحاب الضمائر النقية والعقول السوية للقيام بدورها وواجبها الوطني، وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية والعمل على لم الشمل وتوحيد الصف الوطني، والشروع في تهيئة الأجواء التي تساعد على الاقتراب من آمال شعبنا وتطلعاته المشروعة في الاستقرار والعيش الكريم، وبناء الديمقراطية و العدالة والتقدم، انطلاقاً من قاعدة التوافق الوطني التي تمثل أحد أهم القواعد أو المرتكزات لإنجاح عملية الحوار والوصول به إلى غاياته النهائية، بالإضافة إلى قاعدة أخرى لا تقل أهمية وهي إتاحة الفرصة، وتوفير الضمان والحرية لكل التوجهات الوطنية والمكونات السياسية والاجتماعية للتعبير عن أفكارها وتصوراتها وتقديم مقترحاتها في شأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، سواء قبل أو أثناء الحوار دون أي حجر أو فرض قيود معينة على أية أفكار أو تصورات يراها البعض أنها تشكل جزءاً من سقف الحوار الذي أكد أكثر من مسئول في الدولة على مرونته (السقف) وقدرته على استيعاب العديد من المقترحات والتصورات طالما هي في إطار الشرعية الدستورية والقانونية.

بالعودة إلى الرؤى التي نوهنا بها، والتي نعتقد بضرورة استقرارها في وعي وسلوك كل «المتحاورين» نظراً لأهميتها ودورها في صيرورة التوافق الوطني والذي من دونه لا يمكن الحديث عن أي نجاح للحوار المنتظر، وأهم هذه الرؤى تتلخص فيما يأتي:

الرؤية الأولى:

أن تكون قاعدة انطلاق الحوار، قاعدة وطنية وليست دينية أو مذهبية بمعنى أن الأطراف المشاركة في هذا الحوار يجب أن تكون وفقاً لانتماءاتها وبرامجها السياسية، وليس وفقاً لانتماءاتها الدينية أو المذهبية، طالما أن الموضوعات والقضايا التي ستخضع للبحث والنقاش، هي موضوعات تتعلق بمفاهيم ورؤى سياسية وتشريعية قابلة للتبديل والتعديل، وعلى الذين ينادون بالدولة المدنية أن يقرنوا أقوالهم بالأفعال ويكونوا أول الداعمين لهذه الرؤية الوطنية، وإلا فإن النتائج ستكون من جنس المقدمات، أي أننا سنجد أنفسنا في نهاية المطاف نتحدث عما هي «حصة» كل طائفة وكل جماعة وهذا المبدأ أو الخيار (المحاصصة الطائفية) إذا ما تم اعتماده أو مجرد التلويح به نكون قد ضربنا «الدولة المدنية» في مقتل، ونكون قد ارتكبنا جريمة بحق بلدنا لا يمكن أن تغتفر، وهي وضع البحرين على أبواب الجحيم الذي سيكون مصدر كل الحرائق في البلاد، التي ستحرق الأخضر واليابس.

لذلك نحن نحذر من هذا التوجه الطائفي وندعو إلى رفض كل الدعوات التي تروج أو تطالب باعتماد «الرؤية المذهبية» سواء في صوغ أسس الحوار أو في شكل وطبيعة الأطراف المشاركة فيه (سنة وشيعة) لأن هذه النظرة الفئوية القاصرة والضارة سوف لن تحل أزمة البحرين كما يدعي البعض بل على العكس من ذلك ستدخلنا جميعاً في نفق مظلم وطويل من الأزمات والصراعات الطائفية التي لا نهاية لها.

وعليه نقول لكل الذين قد صدعوا رؤوسنا ليلاً نهاراً وحاولوا تخويفنا من تكرار «سيناريو» العراق أو استنساخ تجربة «لبنان أو الصومال» أن يتوقفوا عن الترويج للطروحات الطائفية وأن يكفوا عن استخدام المفاهيم والمصطلحات التي تعمل على تكريس الانتصار للمذهب وللطائفة في وجدان وعقول الناس وانعكاسها بالتالي على ممارساتهم الاجتماعية وإقامة الحواجز المادية والنفسية بينهم وبين شركائهم في الوطن.

ولسنا بحاجة إلى شواهد من الواقع كما لسنا بحاجة إلى اللجوء للتحليل أو التنجيم و»ضرب الودع» لمعرفة النتائج الكارثية المتوقعة لمثل هذا التوجه، فنحن اليوم نشهد العامل الإقصائي ونعيش للأسف الكثير من الممارسات والإجراءات التي يتم اتخاذها على - مستوى الدولة والمجتمع - بوحي من هذه النزعة الطائفية المقيتة، ولم تكن دعوات المقاطعة المتبادلة للمتاجر والمحلات، وكذلك الدعوات لإيجاد أسواق مستقلة في بعض مناطق البحرين وفق انتماء سكانها الطائفي، وأخيراً وليس آخراً ما يتم الترويج له من مشاريع التعليم وتقديم الدعم للطلبة بحسب هوياتهم المذهبية، كل هذه الدعوات وغيرها لم تكن سوى نماذج قبيحة وسيئة لما وصلنا إليه من انحدار وسقوط على المستويات الوطنية والأخلاقية والإنسانية.

إذاً لا سبيل أمامنا للخروج من هذا المأزق الخانق والخطير الذي يهددنا جميعاً سوى الحلول السياسية الوطنية المتوافق عليها من منظور وطني وليس طائفي، حلول تقوم على بنيات داخلية وآليات دستورية تؤكد إقرارنا وتمسكنا بشرعية النظام السياسي، وتؤكد حقنا في تطوير هذا النظام وفق ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه الشعب وعكس توافق الإرادتين الشعبية والقيادة السياسية في البلاد. ولا معنى لهذا الإقرار سوى مفهوم واحد وهو أن إجراء أية إصلاحات حقيقية ودائمة عبر «عملية الحوار» لا يمكن أن تكون مصدر خطر أو تهديد للنظام، بل على العكس ستقود إلى تقويته واستقراره على المدى الطويل، هذا عدا عن مسألة حاجة كل دولة أو حكومة إلى بلورة إجماع وطني حول سياساتها في الداخل والخارج، والذي يمثل السند الوحيد لها في مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية، ولا يمكن أن يتصور أحد أن تقوم الحكومة (أية حكومة) بضرب هذا الإجماع بيدها.

في الجزء الثاني من هذه المقالة نستكمل تفاصيل الرؤى الأخرى..

إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"

العدد 3205 - الخميس 16 يونيو 2011م الموافق 14 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:54 ص

      خطورة تشطير المجتمع لا يمكن التنبوء بنتائجها

      عاش هذا المجتمع وضعا متحابا على طول هذه السنين ولكن خلال هذه الفترة انقلب الحال رأسا على عقب حتى وصل الأمر إلى وضع لا يمكن التنبؤ بخطورته
      وأقولها وعلى الجميع التنبه إلى ما حصل أقول إن لم ننتبه إلى هذا الوضع الخطر وبذل قصارى الجهد لرأب الصدع ولأم الجرح. السلطة عليها بذل الجهد الأكبر
      في ذلك فهي المعنية الأولى بهذا الوضع وهي التي
      بأمكانها طمانة الجميع
      الأمر الأهم هو مسألة خلق الثقة وليس إعادتها
      لأن الثقة تضاءلت إلى أدني مستواياتها

    • زائر 2 | 3:07 ص

      الصراحة هي الحل

      لا بد من وضع النقاط على الحروف ، من يعمل على أساس طائفي يجب أن يجرم ، من يمارس التحريض الطائفي يجب أن يقاضى ، يجب وضع قوانين صارمة تجرم التحريض يجميع اشكاله ومحاسبة تلك الفئات التي مارسته طوال الفترة الماضية التي تسببت في استفحال المشكلات ومحاسبة من مكنهم من هذه العملية الساقطة وهم معروفون يا سيدي العزيز ،...........تحياتي / أبو سيد حسين

اقرأ ايضاً