أي تحرك شعبي في العالم اليوم يستقوي أو يعوِّل على الولايات المتحدة الأميركية في المطالبة بإقرار وتثبيت حقوقه وتغيير مكنات الاستيلاء والاستحواذ وتجفيف منابع القمع التي يتعرض لها؛ واهم واهم واهم.
السياسة الأميركية ليست اليوم فحسب تعاني من ضمور؛ بل فقر أخلاقي بلعبها المتكرر على أكثر من حبل في تعاطيها مع قضايا ومصائر العالم. لا تعني واشنطن من قريب أو بعيد أية هبة أو ثورة أو احتجاج - تونس، مصر، اليمن، سورية، وغيرها من الدول مثالاً- خارج حدودها أو خارج حدود الاتحاد الأوروبي. ما بعد تلك الحدود تظل أميركا متبنية لموقف الفرجة لتقرير موقفها - قبل أيام أو شهور - مع من تقف إذا اتضحت لها صورة إنهاك أحد الطرفين (الأنظمة أو الشعوب). تظل محتفظة بشعرة المكر والدهاء ولا تقطعها؛ ما لم يتأكد لها أن أحد الطرفين إما أنه يُحتضر وتحت أجهزة التنفس الاصطناعي؛ وإما أنَّ زوال أحلامه أو حتى أوهامه في الحقوق مسألة مرض، الوقت كفيل بها!!!
هي ليست موضوعة المصالح فحسب التي أبَّدتْ تعاطي الولايات المتحدة مع قضايا حقوق الشعوب في العالم وانتفاضاتها واحتجاجاتها. صحيح أنه على رأس المخاتلة والمصالح في السياسة، ومن أكبر الأولويات بالنسبة إليها، ولا جدال بشأن تلك الحقيقة؛ إذ إنها طبيعة المؤسسة السياسية الأميركية التي لم يكن ملف حقوق الإنسان بتفاصيله المُرة والمفجعة والمرعبة يعني لها شيئاً، سواء في دولنا خصوصاً، أو دول العالم الثالث عموماً؛ مادام خارج دائرتها ودائرة الاتحاد الأوروبي؛ بدليل استمرارها على النهج ذاته ولعقود طويلة في تغذية الأنظمة القمعية بأسباب وجودها وهيمنتها وتركُّز قمعها وإمعانها في البطش بشعوبها مادامت تلك الأنظمة توفر قواعد لأمنها العسكري والاستخباري، وأسواقاً لشركات التصنيع الحربي؛ عدا فتحها تنوعاً من الأسواق للسلع والمنتجات وبتسهيلات تفضيلية لا تقابل بالمثل من جانبها، حال ورود تلك السلع ومنتجات تلك الدول إلى أسواقها؛ ما لم تكن مرهونة باتفاق التجارة الحرة بكل شروطه وقيوده غير الظاهرة لمن لا علم لهم بالجانب الأسود من لعبة السوق الحرة واقتصادها!!!
التعويل على أميركا في أي تحرك شعبي هو بمثابة التعويل على الكارثة في الإنقاذ، والتعويل على الوهم بكل صوره المخدِّرة والقاتلة في كثير من الأحيان، كما هو الحال في التعويل على ذئب تُوكل إليه مهمة حراسة القطيع بثقة بالغة في حال غياب أو غفوة الراعي. وللقطيع والراعي في عالمنا مأساتهما التي لا تبدأ بالتسمية ولا تنتهي بالممارسة!
أميركا تتبنى نظرية أو فلسفة الانتظار في مناطق ساخنة شهد العالم حجم مآسيها وكوارثها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، ليس أولها الغزو السوفياتي لأفغانستان، مروراً بالحرب العراقية الإيرانية، والانتفاضة الشعبانية في جنوب العراق، أيام الرئيس العراقي المقبور، صدام حسين، والمجازر التي شهدتها البوسنة والهرسك وإقليم كوسوفو، وتعمقت تلك النظرية وترسخت أكثر مع الحال الهستيرية التي انتابتها في النهج والأدبيات السياسية مع غزوتي نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
الشعوب والأمم المتمردة على واقعها في تجليات الانتهاكات والقمع والمصادرة والتمييز والسرقة، باتكائها واعتمادها وتعويلها على القوة الأولى في العالم (أميركا) أو أية قوة أخرى تكون قد طعنت حقها في مقتل، وشوشتْ عليه وقدمته إلى العالم في صورة بائسة لا تخلو من معاني الاستقواء، بكل ما تحمله من عطن وبؤس وضعف وتواكل؛ وهذا ما تجد فيه الأبواق المدافعة والمطالبة بمزيد من الانتهاكات والقمع والمصادرة والتمييز وتشريع السرقة، فرصتها لتشويه مسار تلك المطالبات والحقوق.
مع كل الضَّعف والغفلة والانفلات والاستهلاك البغيض والتثاؤب والتواكل، لدى كل شعوب الأرض فرصة أن تغير واقعها ضمن الأطر والقوانين التي كفلتها السماء والمواثيق الحقوقية الدولية إلى واقع يحيل الغفلة إلى انتباه، والضعف إلى قوة، والانفلات إلى تركيز على مقومات البناء، والقوة والاستهلاك إلى ثورة في الإنتاج، والتثاؤب إلى صحوة يمتد أثرها إلى الغارقين في نومهم، والتواكل إلى تثبيت أسس وركائز الذَّات، تضع الولايات المتحدة وغيرها في خانة ترك شعوب العالم تقرر مصيرها، ليس بخيارها؛ بل بمعطيات واقع مختلف في حقيقته وعمقه وأثره.
بإرادة الشعوب والأمم، الأنظمة وأميركا طائرة من دون وقود أو مدرج للإقلاع
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3204 - الأربعاء 15 يونيو 2011م الموافق 13 رجب 1432هـ
مجبر اخاك لابطل
مجبر اخاك لابطل اخي جعفر .. ومثل مايقو المثل الشعبي وش حاك يامسمار قال المطرقة