لا يختلف اثنان أن الطريقة التقليدية في التعامل بالنقود الورقية تتجه نحو الزوال، لتحل محلها البطاقة البلاستيكية أو ما بات يعرف اليوم بـ «النقود البلاستيكية»، حيث يستطيع المرء القيام بالكثير من المعاملات المالية كشراء المستلزمات المنزلية ودفع الفواتير وشراء تذكرة السفر وحجز الفنادق وغير ذلك بواسطة تلك البطاقة، مع إمكانية التمتع بمزيد من الوقت للسداد.
إن البطاقة البلاستيكية قضت أيضاً على عناء حمل النقود الورقية وما يرافقها من مخاطر وهواجس خاصة في حال السفر، فحمل البطاقة يعد أكثر أمناً مقارنة بالنقود، وإن فقدت أو سرقت يمكنك الإبلاغ عنها والحصول على بطاقة بديلة ولا داعي للقلق على الإطلاق، وفي عصر الإنترنت أصبح استخدام البطاقة البلاستيكية طريقة لا غنى عنها للدفع عند التسوق الإلكتروني والذي بات يشكل اليوم نسبة لا يستهان بها في التجارة الدولية.
أشارت آخر الإحصاءات إلى أن سوق البطاقات البلاستيكية في مملكة البحرين تقدر بنحو 4 مليارات دولار أميركي، أي مليار ونصف مليار دينار بحريني تقريباً في العام مع وجود أكثر من 800 ألف بطاقة بنوعيه المدينة والائتمانية، من بينها نحو 200 ألف بطاقة ائتمان صادرة من المصارف والمؤسسات المالية العاملة في هذا النشاط.
ومن المتوقع أن يزداد الإقبال على البطاقات البلاستيكية في منطقة الخليج ليشهد نمواً يقدر بـ 20 في المئة سنوياً مع الزيادة الكبيرة والمتواصلة لعدد المحلات بافتتاح العديد من الأسواق والمجمعات التجارية والفنادق، بما فيها من محلات بيع تجزئة ومطاعم وغير ذلك.
وفي الجهة المقابلة حينما نراجع التقارير السنوية لأغلب المصارف والمؤسسات المالية العاملة في البحرين نرى أنها تمتلك استراتيجية للعمل الخيري كجزء من رؤيتها ورسالتها وإيماناً منها بالمسئولية الاجتماعية للمؤسسة في المجتمع الذي تعمل فيه، والتي باتت تشكل اليوم من أهم الأنشطة في حقل العلاقات العامة لأي مؤسسة تسعى نحو النمو.
وقد ترجمت العديد من المؤسسات المالية تلك الاستراتيجية عبر استقطاع جزء من أرباحها السنوية لدعم عدد من المنظمات والجمعيات الأهلية العاملة في المجتمع كتبرعات سنوية ثابتة دعماً لأنشطتها، وهي مبادرة تشكر عليها بالطبع.
إلا أن التوجه العالمي اليوم بات يتجه نحو خلق شراكة تجارية بين المنظمات الأهلية والمؤسسات التجارية لما فيها مصلحة الطرفين بناء على قاعدة «فيد واستفيد»، فقد دخلت المصارف مع بداية العقد الماضي في شراكة مع مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية وصناديق خيرية وأندية رياضية ونقابات عمالية وغيرها، عبر تدشين بطاقات ائتمان مشتركة تحصل بموجبها المؤسسة الأهلية على نسبة من الأرباح التي تجنيها المؤسسة المالية، في مقابل أن تقوم المؤسسة الخيرية بترويج البطاقة بين أعضائها ومنتسبيها، وقد تمخض عن تلك الشراكات حتى الآن إصدار أكثر من 2500 نوع من البطاقات الائتمانية على المستوى العالمي.
عربياً مازال هذا التوجه بعيداً عن التطبيق لأسباب متعددة لعل أبرزها التعقيدات المرتبطة بعمل منظمات المجتمع المدني وغياب الإرادة عند القطاع المصرفي في هذا الاتجاه، إلا أن مبادرة مصرف الراجحي في المملكة العربية السعودية مؤخراً عبر تدشين بطاقة «إنسان» الائتمانية بالشراكة مع الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام جديرة بأن تدرس وتعمم على مستوى المنطقة نظراً إلى المردود الإيجابي الذي يمكن أن يتركه في المجتمع.
تتمحور الفكرة أساساً على أن تقوم المصارف والمؤسسات المالية بتقديم منتوج جديد يمزج بين زيادة عوائد البنك من سوق البطاقات البلاستيكية، وفي الوقت ذاته المساهمة في دعم مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ولاسيما تلك المنظمات والجمعيات العاملة في المجال الخيري والإنساني كالصناديق الخيرية والمؤسسات المعنية برعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة عبر التنسيق مع الجهة الرسمية التي تشرف على المنظمات الأهلية، بحيث يتم استقطاع جزء من قيمة مشتريات حاملي البطاقة البلاستيكية كدعم للمؤسسات الخيرية المنضوية تحت البرنامج من دون أن يؤدي ذلك بأي حال من الأحوال إلى أية زيادة في سعر المنتج على الزبون حامل البطاقة، أو بعبارة أدق أن يتبرع المصرف بجزء من عمولته من تلك الصفقة للمؤسسات الخيرية المشاركة في البرنامج، على أن تكون للزبون حرية اختيار الجهة التي ينوي التبرع لها من قائمة المؤسسات الخيرية التي تعمل تحت إشراف الجهة الرسمية، ما يشجع بالتالي تلك المؤسسات الخيرية على الترويج للبطاقة بين أعضائها ومنتسبيها وعوائلهم.
البرنامج أيضاً يمكـِّن المصرف أو المؤسسة المالية من استقطاب العديد من الزبائن الجدد عن طريق توفير خدمة تحويل الرصيد من البطاقات الأخرى الصادرة من المصارف والمؤسسات المالية غير المشاركة في البرنامج، ما يعني وبكل بساطة أرباحاً إضافية كمكافأة من الزبون للمؤسسة المالية نظير اهتمامه بالفئات المحرومة في المجتمع، هذا إلى جانب إمكانية الدخول في اتفاقيات شراكة مع الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية الكبرى وشركات الطيران لتقديم خصومات خاصة لحاملي البطاقة مساهمة منهم في العمل الإنساني والخيري.
وسيساهم البرنامج في زيادة زبائن المؤسسة المالية التي تطرح المنتج واستقطاب زبائن جدد من حملة البطاقات الائتمانية الأخرى، وحتماً سيعزز من سمعة المصرف في المجتمع، بالإضافة إلى زيادة الموارد المالية للمؤسسات الخيرية، ما سيساعد في تأصيل العمل الخيري ونشر روح التعاون والتكاتف في المجتمع.
وزارة التنمية الاجتماعية قامت في السنوات الأخيرة بالعديد من البرامج الرائدة التي ساهمت في تعزيز العمل المؤسساتي بمنظمات المجتمع المدني، ولاسيما في مجال تنمية الموارد المالية لتلك المنظمات عبر مشروع المنح المالية، وهي معنية بتسهيل العقبات التي قد تظهر أمام البرنامج عبر التنسيق مع مصرف البحرين المركزي للحصول على الترخيصات الرسمية الضرورية.
الحياة مليئة بالفرص ومع تغيير بسيط هنا وهناك نستطيع إحداث تأثير كبير في حياة الآلاف ممن يعيشون بيننا، وقد تكون البطاقة البلاستيكية الخيرية خطوة في هذا الطريق
إقرأ أيضا لـ "ناصر البردستاني"العدد 3203 - الثلثاء 14 يونيو 2011م الموافق 12 رجب 1432هـ