سنتناول في هذا الفصل عدداً من الزندات أو الطعم الذي يستخدم لصيد الطيور وهي زندات خاصة بصورة أساسية للطيور الكبيرة، فالزندات الآتي ذكرها من مثل العتلة والعنجوش من الزندات الكبيرة والقوية وتعتبر مخيفة للطيور الصغيرة.
أولاً: العتلة والسفة
تعتبر كل من العتلة والسِفّة من أكثر أنواع الزندات شهرة في الخليج العربي، وهي تعرف بهذه الأسماء في البحرين وشرق الجزيرة العربية أما في الكويت فهي مشهورة باسم «القُبِي» أو «الغُبِي» (وجمعها القَبَابي أو الغَبَابي) ولكن أصحاب الخبرة في الكويت يخصصون فيقولون عَتل وسفيفة أي بأسماء شبيهة بالأسماء المحلية في البحرين. والعتلة والسفة هي في الأصل يرقات لعدد من الخنافس ولا يمكن تحديد نوع معين من الخنافس لتشابهها الشديد فيما بينها ولكن يمكن تحديد عائلتين أساسيتين من الخنافس هي التي تعطي هذه اليرقات. يذكر، أن يرقات هذه الخنافس مشهورة على مستوى العالم أشهر من الخنافس نفسها ولذلك أعطيت أسماء إنجليزية مستقلة عن اسم الخنافس وأحياناً تسمى الخنافس بأسماء يرقاتها. وهذه العوائل هي:
1 - عائلة الخنافس الطقاقة Click Beetles
تتميز هذه الخنافس بأنه عند وضعها على ظهرها تقفز مع صوت (طقة) ثم تعود مستويه على أرجلها ومنه اكتسبت اسمها الإنجليزي والذي ترجمته الخنافس الطقاقة ومنه أيضاً اكتسبت اسمها المحلي «إللى يتكرطع» أي «الذي يتقرطع». وبعض العامة تسميها «طعامة» لأن شكلها يشبه الطعامة أي نواة التمر. وفي بعض الكتب العلمية تُذكر هذه العائلة باسم عائلة الديدان السلكية، وذلك لأن يرقة هذه الخنافس تسمى Wireworm أي الدودة السلكية، وتعيش بعض أنواعها على جذور النباتات وتخربها ومنه اكتسبت هذه الشهرة الكبيرة التي فاقت شهرة الخنفساء نفسها. وليست جميع يرقات خنافس هذه العائلة متشابهة لكنها متباينة بحسب النوع أو السن والعامة تسمي هذه اليرقات بحسب الشكل والحجم عتلة وسفة، وربما كان أصحاب الخبرة الأوائل أكثر تخصيصاً لأسماء هذه اليرقات إلا أنه في الوقت الحاضر أصبحت العامة تميل للتعميم.
2 - عائلة خنافس الظلام Darkling Beetles
وهذه مجموعة من الخنافس مختلفة الأحجام والأشكال وتتميز بأنها خنافس ليلية ولذلك سميت خنافس الظلام، أما يرقة هذه الخنافس فتسمى دودة الدقيق mealworm. وهذه اليرقات يتم إكثارها وتربيتها وبيعها بصورة تجارية لتكون غذاء للحيوانات آكلة الحشرات كالطيور أو تستخدم كطعم لصيد الأسماك. وهذه اليرقات ليست جميعها متشابها إلا أن العامة تسمي بعضها عتلة والبعض الآخر سفة بحسب الحجم والشكل. إلا أن النوع التجاري منها يؤخذ من أنواع محددة تم اختيارها لجودتها.
العتلة والسفة والتطور الدلالي
تتشابه العتلة والسفة في الشكل تقريباً، إلا أن العتلة أكبر؛ إذ تعتبر من أكبر أنواع الزندات حيث يصل طولها لقرابة خمسة سنتيمترات ولها جلد خشن وهي تقاوم كثيراً وتستخدم بالخصوص للطيور الكبيرة، والعتله هي حديدة قوية يحفر بها وربما اشتق اسم هذه اليرقة من هذه الآلة بسبب صلابتها. أما السفة فهي شبيهة بالعتلة ولكنها أقصر منها وأسمك، والسُّفُّ والسِّفُّ في اللغة نوع من الحيات الشجاع، وقيل الحية، وزعم البعض أنها حَيَّةٌ تطير في الهواء، وقد عجز الكثيرون من تحقيق اسم «السف» إلا أنه ارتبط بأساطير وخرافات، وأرجِّح أن السف هي ما تسميه العامة اليوم السف والعتلة حيث شبهت بالحية. ربما يرى البعض عدم وجود تطابق بين السفة عند العامة ووصف السف في كتب اللغة وهذا يحدث في العديد من أسماء الحيوانات الأخرى فقد بالغ العرب الأولون في وصف عدد من الحيوانات حتى أصبحت كأنها مخلوقات أسطورية. على سبيل المثال الأصلة عند العامة نوع من الديدان بينما وصف الأصلة في كتب اللغة هي الحية الضخمة.
«التنبير» بحثاً عن العتلة والسفة
تعيش كل من العتلة والسفة في الرمال ويتم البحث عنها عن طريق الحفر أو قلب الرمال وتعرف عملية البحث هذه في البحرين والكويت وشرق الجزيرة العربية باسم «التنبير»، ومنها الفعل نبر أي قلب الرمل، والنبر في اللغة هو الرفع ونَبَرتُ الشيء أي رفعته ومنها سُميت عملية رفع الرمال بحثاً عن تلك اليرقات بعملية «التنبير».
وتتغذى كل من العتلة والسفة على المواد العضوية المتحللة في التربة وقد اكتشفت العامة هذه الحقيقة قبل العلم، ولذلك يعمد الخبير في صيد العتل بدفن طائر ميت في الرمل ويضع علامة لتك المنطقة، ويترك الطائر الميت ليتحلل لعدة أيام، وبعد التأكد من تحلله تماماً يتم الحفر في تلك المنطقة حيث يكثر فيها وجود العتل.
ثانياً: العنجوش Moel crickets
العنجوش والجمع عَنَاجيش من الحشرات الكبيرة التي تستخدم كزندة للطيور الكبيرة وخاصة الشرياص. وهو آفة من آفات النبات يتغذى على جذور النباتات المختلفة والشتلات الصغيرة فيضعفها أو يقتلها. وأرجله الأمامية متحورة للحفر يحفر بها أنفاقاً في الأرض ويعيش فيها. ويسمى في مصر الحفَّار واسماه الأمير مصطفى الشهابي حَراثة ويسمى في الشام الحالوش، وذكر في كتاب «موسوعة الألفاظ الطبيعية» باسم عنجوس (بالسين) وحالوش ومالوش وذكره العزاوي في كتابه «علم الحشرات العام والتطبيقي» باسم كاروب.
العنجوش والتطور الدلالي
في البحرين تطلق العامة مسمى «العنجوش» على هذه الحشرة التي تخرب الزرع؛ أي الحفار بينما بعض العامة تسمي «أم أربعة وأربعين» centipede عنجوش أيضاً وهذا من باب الانتقال الدلالي ويبدو أن ظاهرة الانتقال هذه قديمة كما سنرى لاحقاً. والمرجَّح عندي أن العنجوش هو اسم عربي قديم يخص هذه الحشرة المعروفة بالحفار أيضاً حيث ذكر أمين معلوف في معجمه وصفاً لحشرة تسمى «العنجوس» وذلك نقلاً عن مبادئ اللغة للاسكافي وجاء في هذا الوصف
«العنجوس، دخال الأذن وقيل بل هو الذي يفسد المزارع ويخلخل مساد الماء، بالفارسية وارسوه».
ودخال الأذن عند العرب هو أم أربع وأربعين وهذا يوافق رأي العامة التي تطلق اسم العنجوش على أم أربع وأربعين وهذه الحشرة أيضاً، أي كما قال الاسكافي تماماً. وقد حقق البعض الاسم «عنجوس» بمعنى العنجوش أو الحفار كما ذكرنا سابقاً، إلا أن أمين معلوف احتار في كلمة «العنجوس» وذكر عدة احتمالات منها أنها ربما هي الحفَّار أو هي تحريف العبقوس أو هي الحشرة المسماة أبومقص Earwig. لكن لفظه عنجوس غير واردة في اللغة فربما هي تحريف عنجوش المعروفه على لسان العامة والواردة في اللغة أيضاً. جاء في القاموس المحيط «العُنْجُش الشيخ الفاني أو المنقبض الجلد» والعنجوش مشتقة من العُنجش بإشباع ضمة الجيم واو. ثم إن هذه الحشرة كالشيخ الفاني المنقبض الجلد. فتأمل.
زندات أخرى
استخدمت العامة العديد من الزندات المختلفة لكنها غير شائعة الاستخدام من مثل الجرادة وغيرها، ويذكر الشملان في كتابه «الألعاب الشعبية الكويتية» عدداً من الزندات غير الشائعة من مثل الصراصير التي تسمى محلياً زهوية والمفرد ازهيوي، و»أم أربع وأربعين» والذباب، وحتى الخنفساء المسماة «قبون»، وهذه الأخيرة تنتمي إلى عائلة خنافس الظلام التي سبق ذكرها والتي تعطي يرقات شبيهة بالسفة والعتلة، وتتميز بظهرها القاسي جداً الأحدب المليء بالتجاويف الصغيرة
العدد 3200 - السبت 11 يونيو 2011م الموافق 10 رجب 1432هـ