قضت المحكمة الكبرى الإدارية برئاسة القاضي سعيد الحميدي، وعضوية القضاة حسام طلعت وأمل أبل وأحمد الصديقي، وأمانة سر عبدالله إبراهيم، برفض الدعوى التي أقامها مدرس بإحدى المدارس الابتدائية، وطالب فيها بإلغاء قرار وزارة التربية والتعليم بقبول استقالته التي تقدم بها، وإرجاعه الوظيفة نفسها.
وقال المدرس إنه قدم هذه الاستقالة تحت ضغط نفسي ما يعيب إرادته بعيب الطيش البين، فضلاً عن قيامه بالتقدم لعدة جهات بطلب سحب الاستقالة، لكن المحكمة قالت إن مسلك الجهة الإدارية فيما اتخذته من إجراءات انتهت بقبول استقالة المدعي متفق وصحيح حكم القانون، ولم يثبت أن كان هناك ثمة إكراه مارسته الإدارة على المدعي أوقع في نفسه الرهبة التي دفعته إلى تقديم الاستقالة، أما بخصوص ما ذكره عن أنه سحب استقالته، فإن المدعي هو الملزم بعبء أثبات التقدم بطلب سحب الاستقالة.
وكان المدرس المدعي قد قال في عريضة دعواه إنه التحق بالعمل في إحدى المدارس الحكومية الابتدائية في البحرين بتاريخ 28 مارس/ آذار 2007 كمعلم لمادة التصميم والتقانة، وانتظم في عمله مخلصاً ومتحملاً الضغط والجهد كمعلم مشترك بين مدرستين، إلا أنه وعلى خلفية حدوث مضايقات بينه وبين أحد الإداريين في إحدى المدرستين فقد تمت إحالته للتحقيق، ونظراً للحالة النفسية التي كان يمر بها جراء إحالته إلى التحقيق فقد تسرع وقام في خطوة غير مدروسة بتقديم استقالته للجنة التحقيق، وتسلمت اللجنة رسالته من دون البت فيها ولا إحالتها لشئون الموظفين كونها غير مختصة قانوناً بقبول مثل هذه الطلبات وإنما المختصة هي إدارة الموارد البشرية، وبمراجعة نفسه تراجع عن نية الاستقالة بعدما هدأت ثورة الغضب لديه واكتشف تسرعه فحاول سحب الاستقالة قبل البت فيها وخاطب كل الجهات بما فيها إدارة الموارد البشرية والتي كانت تنفي علمها بوصول رسالة الاستقالة إليها، وبعد مرور أكثر من 5 شهور جاء رد إدارة الموارد البشرية بقبول استقالته بناءً على طلبه السابق ولانتهاء التحقيق والتصرف فيه، ما حدا به إلى إقامة دعواه طعناً على قرار قبول استقالته لكونه قدم هذه الاستقالة تحت ضغط نفسي ما يعيب إرادته بعيب الطيش البين وضغط الهوى الجامح المفسد للرضا الذي يجرد الاستقالة من أثرها كعمل قانوني قصد به مصدره أن ترتب أثراً قانونياً محدداً، فضلاً عن قيامه بالتقدم لعدة جهات بطلب سحب الاستقالة.
وقالت المحكمة في حيثياتها: «إن المشرع أجاز للموظف أن يتقدم باستقالته من وظيفته على أن يكون ذلك بطلب مكتوب، وأوجب على جهة الإدارة أن تبت في ذلك الطلب خلال مدة غايتها ثلاثون يوماً محسوبة من تاريخ تقديم الطلب، وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة، وذلك ما لم يكن طلب الاستقالة معلقاً على شرط أو مقترناً بقيد، إذ لا تنتهي خدمة الموظف ألا إذا تضمن قرار قبول الاستقالة إجابته إلى طلبه، ويتعين على الموظف أن يستمر في أداء مهمات وظيفته حتى يخطر بقرار قبول الاستقالة أو تمضي المدة التي حددها القانون لاعتبارها مقبولة، وأخيراً فقد حظر المشرع على جهة الإدارة قبول استقالة الموظف إذا ما أحيل إلى التحقيق أو أوقف عن العمل أو اتخذت ضده أية إجراءات تأديبية أخرى فلا تقبل استقالته إلا بعد التصرف في التحقيق بغير جزاء الفصل من الخدمة.
ولما كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية أحالت المدعي وهو يشغل وظيفة معلم مادة التصميم والتقانة بمدرسة ابتدائية للبنين للتحقيق لما نسب إليه من استخدامه الكلمات البذيئة والضرب المبرح مع طالبين بالمدرسة، وشكلت لجنة للتحقيق معه، وتقدم المدعي إلى مدير المدرسة المذكورة بطلب بقبول استقالته من العمل، وتم عرض الطلب على إدارة التعليم التي أفادت بأنه لا مانع وفق الأنظمة المتبعة، ونظراً لكون المدعي محالاً للتحقيق فقد أرجات جهة الإدارة البت في طلب الاستقالة إلى حين الانتهاء من التحقيق والتصرف فيه بغير جزاء الفصل، وانتهى التحقيق الذي تم مع المدعي إلى ثبوت ما نسب إليه من مخالفات وبناءً عليه صدر قرار بمجازاته بالتوقيف عن العمل والراتب لمدة عشرة أيام وتم إخطار المدعي بذلك، وبناءً على ذلك قامت الجهة الإدارية بقبول طلب الاستقالة المقدم من المدعي وإخطاره بذلك بتاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، الأمر الذي يبين منه أن مسلك الجهة الإدارية فيما اتخذته من إجراءات انتهت بقبول استقالة المدعي متفق وصحيح حكم القانون بمنأى عن الإلغاء عند الطعن عليه وبما يتعين معه القضاء برفض الدعوى، ولا ينال من ذلك ما دفع به المدعي من قيامه بالتقدم بطلبات عديدة لسحب طلب الاستقالة المقدم منه لكون المدعي هو الملزم بعبء إثبات التقدم بطلب سحب الاستقالة، وكانت الطلبات المقدمة من المدعي وفق لائحة دعواه لا يبين منها أنها وصلت إلى علم الجهة الإدارية لخلو كل هذه الطلبات من ثمة ما يفيد تسلمها من قبل الجهة الإدارية المقدمة إليها الأمر الذي تلتفت معه المحكمة عن هذه الطلبات ولا ترتب عليها ثمة أثر قانوني، كما يغير من ذلك أيضاً ما تمسك به المدعي من أنه قدم طلب الاستقالة تحت ضغط نفسي ما يعيب إرادته، حيث إنه لا يوجد في أوراق الدعوى أي دليل يدل على أن جهة الإدارة مارست على المدعي أي ضرر من أضرار الإكراه المفسد للرضا، وكل ما هنالك أن المدعى عليها قامت بإحالة المدعي إلى التحقيق لما نسب إليه وقامت بذلك في حدود ما خوله لها القانون من سلطة إحالة الموظف المخالف للتحقيق من دون انحراف بها أو إساءة لاستعمالها وبذلك فليس هناك ما يمكن القول به من إن هناك إكراهاً مارسته الإدارة على المدعي أوقع في نفسه الرهبة التي دفعته إلى تقديم الاستقالة فهو تقدم بطلب الاستقالة عن طواعية واختيار، ومن ثم يكون هذا الوجه من أوجه الدفاع على غير أساس أيضاً.
لهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات
العدد 3198 - الخميس 09 يونيو 2011م الموافق 08 رجب 1432هـ