العدد 3197 - الأربعاء 08 يونيو 2011م الموافق 07 رجب 1432هـ

احفروا البئر قبل العطش

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في سلطنة عُمان يوجد مجلس للبحث العلمي أنشئ بموجب مرسوم سلطاني (54/2005)، مهمته «إعداد استراتيجية وطنية للبحث العلمي والسعي إلى تعزيز ودعم البحوث باستخدام جميع الوسائل المتاحة المادية منها والمعنوية» كما جاء في ديباجة تأسيسه وأهدافه. في الخامس من الشهر الجاري (يونيو/ حزيران) وافق هذا المجلس خلال الاجتماع الثاني لهيئته بشكل مبدئي على إنشاء «برنامج بحثي لرصد الظواهر والمشكلات الاجتماعية ووضع برامج وحلول لها من خلال توصيات نتائج البحوث العلمية». بحسب التصريح الصادر عن المجلس.

هذا الخبر له وجهان، أحدهما داخلي صرف، والآخر له صِلة بِعِظته للآخرين. في الوجه الأول، فإن مجلس البحث العلمي في السلطنة ليس مجلساً مركوناً على هامش الدولة؛ وإنما هو في قوسها حين نعلم أن رئيسه هو شهاب بن طارق آل سعيد مستشار جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان. وبالمناسبة فإن السلطان ومستشاره هما أبناء عُمومة مباشرة يلتقيان في الجُدوديّة التيموريّة لآل سعيد، بمعنى أن المجلس له من الأهمية التي توازي أهمية شخص رئيسه سواء من خلال موقعه في الدولة أو من مدخليّة نَسَبِه القريب إلى رأس الحكم. ومن جهة أخرى فإن أهمية هذا المجلس تنبع أيضاً من محوريّته في عملية البحث والابتكار في سلطنة عُمان.

في الوجه الثاني وهو متن الموضوع الذي نحن بصدده فإن إنشاء برنامج بحثي لرصد الظواهر والمشكلات الاجتماعية وتقديم المعالجات لها، هو أمر في غاية الأهمية، وحسناً فعلت سلطنة عُمان حين تنبَّهت له. ليس الموضوع مرتبط بعُمان فقط ومدى حاجتها له، وإنما بأصل الفكرة التي تصلنا بحقيقة المجتمع العربي الذي نعيش فيه. فالنشاط المجتمعي هو كالجسم الذي يُمارس دوره الطبيعي في الحركة والانفعال والتعبير، الأمر الذي يجعله عرضة للأدواء. لذلك فإن المشاكل التي يتعامل معها المجتمع سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة جراء احتكاكه بمحيطه وتدافع ناسه تجعله عرضة للأمراض والأسقام التي يتوجب معالجتها، خصوصاً أنها كالأمراض العضوية بعضها فتَّاك وبعضها أقل من ذلك درجة.

ليس من المعقول أن يتمّ التعامل مع الأفراد والجماعات وسلوكهم وظواهرهم بالتعامل ذاته الذي كان قبل عشرة أعوام أو حتى أقل. فمساواة اللحظة الآنية بسابقتها يُحيلنا إلى أزمة استصحاب قاتلة تجعلنا ننظر إلى حاضرنا بمقاس ماضينا وهنا الإشكال. كثيرة هي الدول التي اكتشفت أنها تعاني من هُوَّة بين أجيالها (أو ثغرة فيها) بسبب إغفالها ترميم الفواصل الزمنية بين تلك الأجيال ومعالجة الظواهر المتوالِدة والمستوطنة على صفيح السلوك الفردي والجماعي. بل حتى التحديث الذي تجريه الدول على مناشطها السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها قد يدفع إلى اضطرابات مفاجئة في السلوك البشري حتى ولو كان ذلك التحديث إيجابياً، بالضبط كانتقال المجتمعات الاشتراكية إلى الرأسمالية أو الريعيّة إلى نظام الضرائب.

لاحظوا جيداً ما يجري الآن من حِراك سياسي وشعبي في العديد من الدول العربية. هذا التحرك وإن كانت له ملامح سياسية تتعلق بالحريات والديمقراطية وطبيعة الحكم إلاَّ أن كوامنه اجتماعية تتعلق بتغييرات نفسية جعلت هذه المكوّنات تتحرك وتبدي سخطاً على ما يجري. لم تتحرك الأنظمة العربية إلاّ صوب المعالجات الأمنية، ولم تجهد نفسها لفهم ما يجري حولها ولا حتى رصد الفئات العُمرية التي شاركت فيها، وإنما اكتفت بترديد عبارات التآمر من الخارج، في حين أن مَنْ واجهتهم في الساحات والشوارع هم ناسها وأهلها.

بعض الدول في عالمنا العربي تكتفي فقط بقراءة الحالة عندما تحدث. وبعد أن تخرج اللجنة المعنية بتوصيات مُحدّدة نتيجة البحث والتقصّي تركَن تلك التوصيات في أدراج مكاتب المسئولين وأصحاب القرار، وخصوصاً عندما تخبو تلك الحالة أو يذهب ريحها. بمعنى أن المعالجة مرتبطة بوقوع الحدث وليس بإرهاصاته أو حتى معالجته لاحقاً. بالتأكيد لا نريد أن نكون مثل الغربيين الذين يلاحقون أدق ما يجري في مجتمعاتهم على مستوى الظواهر والسلوك إلاَّ أننا أيضاً يجب ألاّ نحجب أعيننا عن التحدي الحقيقي والمتمثل في خلق مجتمع صحي لا تأكله الظواهر الطارئة والدخيلة ولا الأسقام المميتة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3197 - الأربعاء 08 يونيو 2011م الموافق 07 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً