ثلاثة أسابيع مرت منذ قادت منال الشريف سيارتها في مدينة الخبر، ولاتزال القضية مثارا للجدل على صفحات الصحف بين مؤيد ومعارض.
منال التي قبض عليها متلبسة بقيادتها سيارتها أوقفت في السجن ثم خرجت منه بعد أيام، لكن فعلها لايزال كرة ثلج تستمر في التدحرج، فالنقاش يتفاعل منذ قادت وحين أوقفت في السجن وإلى أن خرجت منه وتعهدت بعدم العودة للقيادة مرة أخرى.
كانت هناك ثلاثة سجالات جميلة في الموضوع بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف بشأن نتائجها:
السجال - الديني - الشرعي، وهو قدر وضرورة في أية دولة تأخذ رأي الإسلام وتلتزم به، وخصوصاً في المواضيع أو الأمور المستجدة في ساحتها، لا بد أن يعود متشرعتها إلى مظان وجود الحكم الشرعي من كتاب كريم وسنة مطهرة، ثم ينظرون ويفحصون ويمحِّصون، فلعلهم اهتدوا إلى دليل يمنع قيادة المرأة للسيارة ويحرّمها وإلا عادوا إلى فسحة الإباحة وحلية الفعل.
كما أنه في حال وجد ما يشير إلى المنع أو يوهم بالحرمة، استنفذوا الجهد في تقليبه ومصادمته بما يعارضه حتى يصلوا إلى ما فيه اليسر والتيسير على العباد ما أمكن، كل ذلك ضمن القواعد والمرتكزات الشرعية والفقهية التي يمكن استعمالها في الموضوع.
السجال الثاني كان سجالاً قانونيّاً، وكان هو الآخر ضروريّاً، ما جعل القانوني والعارف بالمواد المنصوصة التي تدير حياة الناس وتنظمها مستنفراً لمعرفة ما إذا كان هناك ما يمنع من قيادة المرأة للسيارة أم لا؟.
والسجال الثالث كان اجتماعيّاً وتركز على الأرضية الاجتماعية التي تريد المرأة قيادة السيارة فيها، فهل يقبل الشعب السعودي بهذا أم لايزال، كمجتمع، يرفض بقيمه وأعرافه وتقاليده هذا الفعل؟
لم تخلُ السجالات الثلاثة من المصادرة، بيدَ أن السجال الذي شهد اضطهاداً ومصادرة أكبر هو السجال الثالث، الذي أجهز عليه قبل أن يحضر، وحين حضر كان متأخراً مقابل السجالين الأولين.
وهل السجال الاجتماعي يجب أن يحضر قبل الديني - الفقهي - أو القانوني؟، أقول لست في وارد التقديم والتأخير هنا، لكني وددت القول إن السجالين الشرعي والقانوني لم يقفا عند حدودهما بل تعديا إلى ما لا علاقة له بتخصصهما، فذهب الشرعي إلى الاتهام بالخروج من الدين، وذهب القانوني إلى اعتبار ذلك خروجاً وكسراً لهيبة الدولة.
كان من شأن الاتهام الأول أن يعرض سمعة المرأة من حيث عقيدتها ودينها للاتهام والقدح، ومن ثم يسري الاتهام إلى كل من ناصر أو ساند، وكان من شأن الثاني أن يعرض أمن المتهمة لبعض الأخطار وهو ما يمكن أن يمتد لكل من يساند ويؤيد.
مع ذلك كانت السجالات محتملة بكل ما فيها وما عليها لولا أمران قلبا هذا التحمل وأوجدا حزازة في النفوس، الأول هو التصوير للمجتمع -الشباب تحديداً- وكأنهم لا همَّ لهم سوى ملاحقة النساء وتصيدهن حين يصبحن في أزمة، كما لو اصطدمت سيارتهن التي يقدنها، أو تعطلت أو تعرضت عجلة السيارة للعطب، والتأكيد على أن قيادة المرأة ستولد المفاسد والانحرافات لأن الشعب غير مهيأ لرؤية المرأة خلف المقود.
وفي هذا الكثير من العيب والتجني والإهانة للناس، ولا أدري بعد هذا الذي قيل هل ستتخوف العوائل في الدول الأخرى التي تسمح بقيادة المرأة للسيارة من شبابنا، الذين قال عنهم بعض الصحافيين وغير الصحافيين إنهم غير مهيئين لرؤية ذلك أم لا؟ وهل ستتعامل معهم بالريبة والحذر أم لا؟ لكن الحديث المتهم للشباب بكل تفاصيله لم يكن موفقاً أبداً.
أما الأمر الثاني فهو شخصنة الحدث وإيصاله إلى مستويات غير لائقة أخلاقيّاً؛ فالمتابع يلاحظ أن قسماً كبيراً من السجالات الشرعية والقانونية نالت من شخصية منال، ولم تركز على القيادة كموضوع وحدث، وقد لزم من ذلك تعدياً كبيراً على كرامتها وحرمتها المعنوية، وقد عبرت منال عن ألمها من هذا التعدي والتجني على شخصها، وأحسنت في أخلاقها حين سامحت من أساء إليها في ما كتبته بعد خروجها من السجن
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3194 - الأحد 05 يونيو 2011م الموافق 04 رجب 1432هـ