العدد 3194 - الأحد 05 يونيو 2011م الموافق 04 رجب 1432هـ

رواية «الإخوة السود»... صرخة ضد عمالة الأطفال

موسى أبورياش comments [at] alwasatnews.com

.

رواية «الإخوة السود» من تأليف ليزا تتسنر. ترجمها عن الألمانية خليل الشيخ. صدرت في طبعتها الأولى عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث (كلمة)، ضمن مشروع الترجمة، العام 2009م، في 144 صفحة من القطع الكبير. وهي مزودة بعدد كبير من الرسومات التي تصور بعض أحداث القصة ومجرياتها، كونها موجهة للأطفال في المقام الأول. عنوان الرواية بالإلمانية (Die Schwarzen Brüder) وقد حولت إلى مسلسل كرتوني للأطفال بعنوان «عهد الأصدقاء» لاقى نجاحاً كبيراً. وسميت «الأخوة السود» إشارة إلى الأطفال الذين يعملون في تنظيف المداخن فيتلوثون بالسواد الناتج عن الرماد والسناج وأوساخ المداخن.

تبدأ أحداث رواية «الإخوة السود» في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وبالتحديد العام 1838م بين قرية سوغنونو بالقرب من وادي فيرزاسكا في سويسرا ومدينة لوغانو السويسرية ومدينة ميلانو الإيطالية؛ تتناول قضية استخدام الأطفال في أعمال شاقة في مدينة ميلانو الإيطالية في ظروف قاسية استغلالاً لظروفهم الأسرية والمادية «فهم إما أيتام أساء أولياء أمورهم معاملتهم، أو فقراء معوزون اضطر آباؤهم إلى بيعهم، ولم يأت أحد منهم إلى ميلانو مختاراً»(127).

والشخصية الرئيسة في الرواية هو الطفل جوليان، الذي ينحدر من أسرة فقيرة جداً في قرية سوغنونو السويسرية، تعيش على جمع القش من سفوح المنحدرات الخطرة وبيعه؛ إذ تعمل في ظروف سيئة وصعبة للغاية يتهددها السقوط من المنحدرات من جهة، وخطر الأفاعي من جهة أخرى.

تقع الأسرة تحت رحمة رجل قاس يمتهن شراء الأطفال وبيعهم لمدة معينة لتشغيلهم في مهن مرهقة، مقابل أجر زهيد، واحتمالية عدم العودة وتعرضهم للموت بالغرق أو المرض أو البرد، ويضحي جوليان بنفسه نظراً لحاجة الأسرة الماسة إلى المال لعلاج الأم التي كسرت ساقها جراء سقوطها في أثناء جمع القش، وبعد رحلة قاسية وطويلة غرق فيها عدد كبير من الأطفال في البحر، يصل جوليان إلى ميلانو؛ إذ اشتراه السيد روسي ليعمل معه في تنظيف المداخن المنزلية.

وفي ميلانو، تصور الرواية استغلال الأطفال، والتعامل معهم كالعبيد؛ لتنظيف مداخن البيوت التي تحتاج إلى الأجسام الصغيرة للقيام بذلك، مع ما في ذلك من تلوث ودخان وسناج ورماد وأوساخ وترسبات، ناهيك عن الاضطرار إلى تنظيف المداخن وهي ساخنة أحياناً تحت إلحاح وحاجة صاحب البيت الذي لا يقيم وزناً لأي خطر يمكن أن يلحق بالأطفال. وكيف يعيش هؤلاء الأطفال ظروف قاسية، وطعام قليل، وفراش رث، وإهمال، ومعاملة غير إنسانية. «وعندما سألهم الطبيب كازيلا عن أمكنة النوم والطعام المخصصة لهم، ضحك أحدهم وقال: «إن من غير المسموح أن يزداد وزننا، لأننا لن نستطيع عندئذ الصعود إلى المدخنة أو النزول منها»»(127)

وفي مفارقة صارخة يصور الكاتب حياة البذخ والثراء في ميلانو كما يراها جوليان «تنقل جوليان في هذه الأثناء بين منازل العديد من السادة والأغنياء. لكن ما شاهده هذه المرة، كان يفوق كل ما سبق أن رآه. كانت رفوف الكتب تملأ الممر، والسجاجيد الغالية الثمن، الفاخرة النوعية، تنتشر في كل مكان. أما صاحب المنزل فكان يبدو في ملابسه التي يرتديها وكأنه يحتفل بالعيد»(84)

تعرض الرواية نماذج لشخصيات فقدت إحساسها بالإنسانية، وتعاملها بكل قسوة وشراسة مع الأطفال، وتركز الرواية على نموذجين اثنين هما: بائع الأطفال وسمسارهم انطونيو لونيني الجشع الذي يبدو فاقداً لأية قيمة إنسانية، وهمه الوحيد أن يستثمر هؤلاء الأطفال، ويجني من وراءهم الأموال، ضارباً بعرض الحائط طفولتهم وإنسانيتهم واحتياجاتهم وعواطفهم. والنموذج الثاني تمثله السيدة روسي الذي كان من نصيب جوليان أن يعيش في بيتها بحكم عمله مع زوجها، فكان تعاملها معه فظاً لا يليق بسيدة وأم، فكانت تحرمه من أبسط حقوقه من طعام وشراب ومنام؛ بل واتهمته بالسرقة لتغطي على ابنها المدلل، واستولت على ملابسه وحذائه الجديد التي أهداها له كازيلا لتمنحها لابنها. ولم ترعه في مرضه إلا مقابل أموال دفعها الطبيب كازيلا ليضمن قيامها بإطعامه وعلاجه.

وفي المقابل تبرز مواقف إنسانية وسط كل هذا الشقاء والعناء، تتمثل أولاً في الطبيب كازيلا الذي قام بعلاج جوليان مجاناً ورعايته وشراء ملابس جديدة له، ومنح السيدة روسي مبلغاً مالياً للاهتمام به، وهي السيدة المنوط بها رعايته أصلاً، كونه يعمل عند زوجها. كما أنه ساعد الأطفال بعد زيارتهم، والتعرف على ظروفهم، وبث فيهم روح التمرد والتحدي والهرب من حياة الجحيم التي يعيشونها في ميلانو، فقد قال لهم: «اسمعوا ! لقد وقع أباؤكم - أو أولياء أموركم - عقوداً، وهذا يجعل الأمر صعباً. أما ما أستطيع أن أفعله لكم، فهو أن أكتب عن مشكلتكم، وسأقابل القنصل السويسري في ميلانو، وانشر في الصحف شيئاً عن الحياة التي تعيشونها، أعني الصحف في تيسن، لأنه لا أحد يستطيع أن يساعدكم هنا»(127). وفي مدينة لوغانو، احتضن الطبيب كازيلا من نجا منهم، ووفر لهم أعمالاً مناسبة وساعدهم للبدء في حياة جديدة نظيفة.

والنموذج الثاني يتمثل في شهامة الفلاح، الذي نقل الأطفال، وأخفاهم عن أعين الشرطة، واستضافهم ثم أوصلهم مأمنهم، ورفض أن يأخذ أجراً على ذلك. والنموذج الثالث تمثله انجليتا ابنة روسي المتعاطفة مع جوليان وكانت تواسيه وتنادمه وتخفف عنه وتزوده ببعض الطعام بين الحين والآخر. بينما يبدو موقف السيد روسي متذبذباً وإن كان مقبولاً إلى حد ما مقارنة مع زوجته الشرسة.

ومما يلفت النظر أن عصابة الأولاد المسماه بالذئاب، والمكونة من أطفال ميلانو الذين يسخرون من الإخوة السود، ورغم عدوانيتها، قد شاركت في جنازة الفريدو الذي توفي متأثراً بمرض ناتج عن عمله في تنظيف المداخن. وهذا موقف جميل ونبيل يؤكد على الفطرة السليمة لهؤلاء الأطفال، وأن عدوانيتهم لا تعدو كونها شقاوة أطفال غير متأصلة فيهم. يذكر، أن الإخوة السود كونوا لهم رابطة للتكافل والتعاون بينهم وحماية بعضهم بعضاً، وتحاول الحصول على بعض حقوقهم. وهذا يدل على أن الألم والمعاناة تصنع الوعي وتوحد الجهود للوصول إلى الحقوق المهضومة وبناء خط دفاع مشترك.

هذا يحدث في أوروبا، وفي القرن التاسع عشر في دول مستقرة نسبياً، ومازالت المشكلة قائمة حتى يومنا هذا في عدد كبير من دول العالم، في ما يعرف بعمالة الأطفال وتشغيلهم في كثير من المهن؛ استغلالاً لظروفهم ورخص أجورهم الذي لا يتعدى في أحيان كثيرة بدل الطعام والمنام.

وأخيراً، فإن رواية «الإخوة السود» رواية المعاناة والشقاء والاضطهاد، كشفت عن جانب من حياة البؤس والألم التي يعاني منها الأطفال في ميلانو الإيطالية قبل قرنين من الزمان تقريباً، ومازالت تصلح صرخة للتحذير من هذه المشكلة، التي مازالت موجودة بصور كثيرة في غير دولة من دول العالم، دون مراعاة للطفولة وبراءتها وحقوقها ومتطلباتها، وتركهم يعيشون الحرمان والجوع في أبشع استغلال للطفولة تمارسه عصابات وجهات فقدت إنسانيتها جشعاً وطمعاً.

وهي رواية تستحق القراءة من قبل الكبار والصغار، ليطلع الجميع على جانب مؤلم من حياة الأطفال، وما يلاقونه من حرمان واضطهاد واستغلال بشع

إقرأ أيضا لـ "موسى أبورياش"

العدد 3194 - الأحد 05 يونيو 2011م الموافق 04 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 6:48 م

      1

    • زائر 14 | 11:06 ص

      الحقيقه مصير انجليتا الحقيقي ولي انا متاكده منو وبعد بحث طويل عن مصير انجليتا اكتشفت انها ماتت في النهايه وانا بصراحه توقعت لانه خطير وبعام 1838 ما كان كن اكتشفو علاجات لهاكذ مرض خطير وبلمناسبه الفريدوا مات بسبب مرض التدرن اي السل الرئوي ومن وضوح الانمي وضحو ااعراض هاذا المرض على الفريدو مثل خروج الدم من حلقه عند السعال ونقص وزنه قبل مايموت بكم حلقه والتعب من ادنه شئ يقوم به وغيره والشكر والتقدير لكم

    • زائر 12 | 5:40 م

      بحق القصه اكثر قصه تاثرت فيها اكثر من انمي البؤساء نفسها
      جعلني ابكي على غير العاده انا ما اشعر بالحزن في اغلب الاحيان بس رواية الانمي احزنتني كثير
      و مفيد جدا للكثيرين بس اعجز عن التعبير وقعنا هاد للاسف

    • زائر 11 | 5:02 م

      قصه رائعه

      انا تابعت الأنمي واتمنا انه يكون فيه جزء ثاني

    • زائر 9 | 6:03 ص

      -_-

      اثر فيني عهد الاصدقاء كثير ووفاه الفريدو مره حزنت
      اتمنى السلام والامان لكل الاطفال في العالم -_-

    • زائر 8 | 3:23 م

      مصير أنجيليتا!!

      لكن ما مصير الفتاة أنجيليتا التي ساعدت روميو كثيرا؟ علمنا أنها مصابة بالمرض في قلبها لكن لم نعرف ماذا حدث لها بعد مغادرتها ميلانو وسفرها لباريس لتلقي العلاج؟؟ فهي لم تُذكر في القصة ولا في المسلسل بعد هذا أبداً!!

    • زائر 10 زائر 8 | 1:52 ص

      الاجابة

      هى ذكروها بعد كدا لما الكونتيسة ايزابيلا قالت لهم انها تركتها فى فرنسا لتعالج واتت لحضور الحفلة فاكيد اتعالجت انا كنت عاوز اعرف بردو بس مجبوش سيرتها تانى

    • زائر 5 | 1:36 م

      كاجيرو قلب الفريدو

      اكثر قصه تثير اعجابي وتبكيني على الدوام عهد الاصدقاء حبيب قلبي الفريدو مارتنيز....

    • زائر 4 | 6:19 ص

      صار تعديل في هذا الكرنون

      الضاهر صار تعديل في المسلسل لان المكتوب عكس في بعز الحلقات في المسلسل الاب مرض وهون مكتوب الام شلون يعني الضاهر تعديل

    • زائر 13 زائر 4 | 12:45 م

      بصراحه انا مستغربه بمسلسل (عهد الاصدقاء) كان الاب وبعدين الولد كان بحسب الانمي اسما روميو هسا جوليان شلون ؟

    • زائر 3 | 5:18 ص

      كم حزنت عليهم

      لقد رايت هذه الاشياء امام عيني عندما سافرت لايطاليا وصدقت كل الانمي لانه حتما مطابق لما رايته امامي من عنف وبهذله والاطفاال مشردون بصوره كبيره لكن حتما احببتهم جدا وساعدتوا واحدا منهم وشكرا

    • زائر 2 | 10:33 ص

      تعليق بسيط

      انا شاهدت المسلسل واثر بي كثيرا...
      والرواية رائعة بحق..

    • زائر 1 | 12:52 م

      ...

      هل هذه الروايه موجوده في المكتبات؟؟
      قصه رائعه حقا لقد رايت عهد الاصدقاء مذ كنت طفلا
      لكن اظن ان الكاتبه بالغت بالقسوه انا بالكاد اتوقف عن الحزن لاجل هذا الانمي

اقرأ ايضاً