العدد 3194 - الأحد 05 يونيو 2011م الموافق 04 رجب 1432هـ

غرب المتاهات... عواصم المآزق

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

حبيبة كل منا، وطن نحلم به معافى من اللصوص والوصوليين وتجار الدم ومقاولي الطوائف وسماسرة التصفية والفرز. وطن تصحو على أصوات ديكته وأطفاله وهم يخربون نومك ببراءة ولؤم أحياناً في يوم إجازة. تصحو على أذانه كما تصحو على طيش شبابه وهم يذرعون الحارات فاتحين المذياع على صوت الشيخ حسين الأكرف أحياناً وصوت محمد عبده أحياناً أخرى. لكل شرعته ووجهته ومنهاجه.

وطنٌ تحلم فيه بأخوة تحرج كل مترصد وخازن للغل وتفريق ذات البين. وطنٌ يطغى ماؤه على ناره. أخضره على رماده. بياضه على سواده. أخوته على ثأره. حدائقه على مزابله. عافيته على أسقامه. مدارسه على مقابره. أناشيده على مناحاته. طربه على وجعه. ربيعه على خريفه. دفئه على زمهريره. حقوله على زنازينه. صلاته على خلاعته. مسطحاته الخضراء على أبراجه. شروقه على غروبه. أدمغته على خرافه. أفقه على سقفه. علانيته على أسراره. أحلامه على كوابيسه. عيونه على رمده. فراشاته على حديده. جباهه على أحذيته. سلالمه على طواميره. بعدها لن تكترث بأي أرض تموت حين تنتمي إلى وطن بكل هذا التناقض الأثير الذي يعطي للدنيا درساً مفاده: الأوطان التي تستدرج الفتن والقبح والصلافة والجور إلى أفخاخها، مآلها الخلود لأنها في الصميم منه. لحظتها لن يكون وطناً فحسب إنه الجنة في صورتها الماثلة. لكن المحزن أن الجنة فكت ارتباطها بالأرض منذ أن انحدر بها بشرها إلى ما بعد الهاوية!!

الذين أمعنوا في غرباتهم ومنافيهم الاختيارية والإجبارية وأحياناً الضرورية للوقوف على صيغ وأشكال وقيم ووقائع أوطان أخرى وحدهم الذين يستخلصون درس سعادته من شقائهم وهدوئه من عواصفهم وأراجيحه من تشردهم وجماله من تنهداتهم ورفاهيته من عذاباتهم وقوته من قلة حيلتهم ووفرة موارده من حاجتهم وعافيته من سقمهم ومعاطفه من ارتجافهم واستقراره من قلقهم.

لا وطن في الدنيا للبيع سوى للذين يعيشون على استثمار فتنه وأزماته. أولئك لا يهمهم بأي عملة يقبضون؛ باليورو أو حتى بالدولار الزيمبابوي!

ارحمونا فقط من الوطنية الزائفة التي تتراكم بإنجازات من السجْع لتحول الوطن إلى «كلٍّ خال» وليس (ربعاً خالياً) وتصيبه بالعقم والتصحر وسيادة السراب.

أيها الوطن الذي لا أريد لك أن تكون إخوة الغدر بيوسف، ولا قابيل في هوس الأنا، ولا غرب المتاهات بين عواصم المآزق، ولا الخوارج في فذلكتهم التي تحولت إلى عقيدة من بارود، ولا المزاج الذي يقسم الناس بحسب ألوانهم وعقائدهم وميولهم وأزيائهم وقراءاتهم وحتى إحباطهم. أريدك سماء إضافية حين يحتبس القطر، وأملاً حين تسود شريعة اليأس، وصباحاً أعانقه كلما راجت تجارة الليل، وموقفاً في يتم الذمة، وكلمة حق في مهرجانات مزايين الإبل؛ حيث لا مزايين للبشر، وصوتاً له وقعه وأثره في خرس يستوطن المكان كأنه قبر مفتوح على اللاشيء

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3194 - الأحد 05 يونيو 2011م الموافق 04 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً