العدد 3192 - الجمعة 03 يونيو 2011م الموافق 02 رجب 1432هـ

مشكلة التغيير أنه حتمي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا أظن أن بقعة جغرافية تضاهي حرارة الجغرافية العربية هذه الأيام. عندما تقرأ الصحف ترى: حرب شوارع في صنعاء بين أنصار الرئيس وشيخ قبيلة حاشِد. الأزمة الليبية بحبرها ودمها وانشقاقات رجالاتها. الأزمة السورية تخبو وتتصاعد على وقع التدويل. مصر ما بعد مبارك تعاني من تحدِّي بناء الدولة وهيبتها والتوافق حولها. الأردن والبحرين والجزائر والعراق والجزائر ومشكلة الداخل فيها سواء في الأمور السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها.

نتساءل: لماذا كل هذه المأزومية في العالم العربي؟ الموضوع باختصار يتعلَّق بحالة سياسية يُراد لها أن تتغيَّر. فتجارب الحكم العربيّة تكلَّسَت ووَجَبَ أن تتحرَّك لفعل شيء ما حتى ولو كان في قالبها المجبَر. شبَّه أحدهم ثورات العالَم العربي بامرأة عاقِر لم تحبل منذ ثلاثين عاماً. وعندما لقحت وضعت عشرة أطفال دفعة واحدة. الحقيقة أن ما جرَى في تونس ومصر ويجري الآن في بقيّة بُلدَان العرب (أو سيجري) هو حالة طبيعية جداً بسبب سوء الإدارة وتبديد الثروة وإقامة دولة الامتيازات وتشطير المواطنة إلى درجات، والولاء إلى الأفراد لا إلى الأوطان ولا التراب.

حدَث ذلك بالضبط في أوروبا. فدولها في ذلك الأوان كانت عبارة عن عِزَب لعوائل تتحكَّم في ثروات الأرض. وكانت الشعوب مفروزة ما بين بارونات ذات وجه بيضاوي هش، وعقصة شعر ناعِم، ووردة مُثبَّة في شال مربوط تحت الذقن وعربة مُزركشة تجرّها خيول سوداء كما يذكر التاريخ وبين خادمات فقيرات يغسِلن أرجلَ أسيادهن وأغطية أسِرَّتهم، وبطونهن غائرة حتى ظهورهن من الجوع والفاقة والعوز. يلِدْن ذكوراً لكي يخدمون في مزارع الأسياد، ويَلِدن إناثاً حتى يرثن ما كانت أمهاتهن يقمن به من الفجر حتى إبهار الليل. هكذا كان حال أوروبا آنذاك.

وعندما قامت الثورة الفرنسية العظيمة في العام 1789م تغيَّر صفاء الحياة لأولئك الأرستقراطيين وسطوة البرجزة. لذا فإنه وبعد انتصار التغيير الفرنسي قامت الأنظمة الأوروبية الرجعيّة بمحاربة الثورة الفرنسية لمدة عشرين عاماً بحروب ومؤامرات كي تجهضها أو تحدّ منها لكنها لم تستطع، بل إن ثورات متعددة اندلعت في عُموم القارة كإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وبقيّة الأراضي الواطئة. صحيح أن الأنظمة الراديكالية التي نشأت لم تستطع الاستمرار، لكن سقوطها كان من مدار التطرّف وليس من أصل التغيير السياسي الجارف.

ففي فرنسا على سبيل المثال انحسر دور اليعاقبة المتطرفين ولكن ليس لصالح الملكية والرجعية وإنما لصالح نظام سياسي معتدل من رحم الثورة قاد التغيير بنجاح. في محصلة الأمور، فإن دفوع الأحداث قد ولَّدت نقطة التقاء ما بين الأنظمة الثوريّة الناهضة وتلك المحافظة تقضي بأن يلتقي الطرفان عند حدٍّ مقبول من الرؤية السياسية لنظام الحكم. فلم تعد الأنظمة الثورية ثورية بالكامل ولم تعد الأنظمة الملكيّة ملكيّة مُطلقة. وقد ولَّد ذلك التزاوج أنجع صيغ التجارب الديمقراطية في التاريخ الحديث واستمرت إلى هذا اليوم.

ما يجري في العالَم العربي هو شبيه لذلك الأمر. فعندما وقعت أحداث تونس قالت مصر إنها معصومة منه لكنها خرَّت على وقعه لاحقاً. وعندما تغيَّرت مِصر قالت ليبيا إنها ليست كمصر، لكنها بَدَت أكثر دماراً من سابقتها. وعندما حصل التغيير في تلك البُلدان قال علي عبدالله صالح إن اليمن مختلف، لكن نظامه ابتلِيَ بما ابتلِي به غيره والقائمة لم تنته بعد. كما أن الزمن لم يفصل في جولة التغيير بعد، بل إن القادم أكثر تجذيراً من سابقه.

تخطئ الأنظمة العربية إن هي مايزت نفسها عن غيرها من الأنظمة فقط لاختلاف الموقع أو عنوان الحكم أو شكله، لأن التقدير في التغيير لا يخضع لتباينات ثنائية قائمة، وإنما لمشتركات الإخفاق الذي يشترك فيه النظام العربي الرسمي في أغلبه. وإذا ما عُرِفَ ذلك فمن الغباء إقامة القياس على غيره من الأمور. وعليه، فإن الأنظمة القائمة إما أن تستبق الأحداث وتقيم وازناً جديداً من العلاقة ما بين السلطة ومؤسسات المجتمع، أو أنها تنتظر التغيير الذي قد يفقس بيضه على حين غرَّة، سواء من الداخل المستعر أو من تغيُّرات الإقليم المجاور لها، ولا أظن أنني أقول غير ما قاله التاريخ ودوَّنته ألواحه وكتبه

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3192 - الجمعة 03 يونيو 2011م الموافق 02 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً