بعد رفع «حالة السلامة الوطنية»، وتجديد دعوة الحوار الوطني، إلى جانب فوز البحرين بحق استضافة سباق «الفورمولا 1» في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تفاءل شعب البحرين بالخير، وحمد الله سبحانه وتعالى على أن خسائر الأحداث وقفت عند حدودها. وسرت موجة من الأمل الذي بدأ يلوح من بعد، مبشراً بمرحلة جديدة، يسودها الأمن، وتسيرها قوانين الاستقرار. لكن يبدو أن الرياح بدأت تهب في اتجاه معاكس لكل ذلك، منذرة، بفضل السحب السوداء التي بدأت تتلبد في سماء البحرين، باندلاع دورة عنف جديدة، يصعب التنبؤ بما تحمله في أحشائها.
إن كان لأحداث 14 فبراير/ شباط 2011 الأخيرة القدرة على أن تثبت، وبالملموس، أية حقيقة فهي قد أثبتت اثنتين: الأولى، أن إسقاط النظام شعار خاطئ، وهدف من المستحيل تحقيقه، أما الثانية فهي، أن آليات حركة المرور في شارع البحرين السياسي غير قادرة على تنظيم ظواهر العنف.
تأسيساً على ذلك ينبغي على الحركات السياسية، إن هي أرادت، أن تحقق لنفسها، ومن ثم لجماهيرها، مكاسب ملموسة على أرض الواقع، أن تصارح تلك الجماهير، على أن نضالها ينبغي أن يقوم على الاعتراف بشرعية النظام، ومن ثم العمل على تطويره من خلال مؤسساته الشرعية، والثانية أن النضال ينبغي أن ينطلق، ويلتزم بقيم وأساليب العمل العلني السلمي الرافض لأي شكل من أشكال العنف، والنابذ لكل وسائله.
التقيد بشرعية النظام، ورفض العمل من أجل إسقاطه، ونبذ كل أشكال العنف، ينبغي أن يكون خياراً استراتيجياً غير قابل للنقاش أو المساومة، وبالتالي ينبغي إخضاع البرامج السياسية، والنشاطات ذات العلاقة بها، لخدمة هذين الهدفين، وتحاشي كل ما من شأنه أن يقود إلى الاصطدام بأيٍّ منهما.
وربما آن الأوان، للقوى السياسية المقتنعة بهما، أن تفصح عن ذلك علناً أولاً، وتجسده ممارساتها اليومية ثانياً، دون التذرع بعدم رغبتها في الاصطدام بالشارع، أو خشيتها على أن تفقد جماهيريتها، أو تحاشيها لفسخ تحالفاتها. هذا يضع قيادة العمل السياسي البحريني اليوم، أمام تحدٍّ صعب، ومن طراز جديد، ويجعلها تواجه خيارات صعبة تهدد أهليتها كقائدة لحركة الشارع.
لم يعد من المسموح، تبرير قيادة العمل السياسي البحريني الاستمرار في اجترار شعارات تقع في منزلة بين منزلتين. لم تعد طبيعة المرحلة تسمح بذلك، كما لم يعد احتقان الشارع السياسي قادراً على التأرجح، بعد كل ما جرى، بين شعارات متناقضة.
على من يريد أن يسقط النظام، أن يتقدم الصفوف ويعلنها صراحة، ودون أية مواربة، لا أن يتذرع، وعلى استحياء، بعدم قدرته على ضبط الشارع السياسي، أو التحكم في اتجاه حركته. فدور القائد هو أن يقود لا أن يقاد. والأمر ذاته ينطبق على من يتخذ العنف وسيلة لتحقيق أهدافه، هو الآخر مطالب بالكف عن إلقاء اللوم على «الجماهير»، وإلصاق التهم بها. فمن ليس في وسعه أن يقود، فمن الأفضل له أن يتنحى، ومن يخضع أهدافه لحركة الجماهير، عليه أن يعود فرداً عادياً بين صفوفها، لا قائداً معلماً يتقدم أفواجها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3192 - الجمعة 03 يونيو 2011م الموافق 02 رجب 1432هـ