العدد 3191 - الخميس 02 يونيو 2011م الموافق 01 رجب 1432هـ

الثورات الشعبية تنهي التحكم الأميركي (2)

ماجد كيالي comments [at] alwasatnews.com

.

مع ذلك، فإن مسألة تغيير النظم السياسية العربية باتت تلقى قابلية في أميركا، التي أبدت تبرّمها من واقع هذه الأنظمة الفاشلة والفاسدة والمستبدة، وباتت ترى فيها مجرد أنظمة مستهلكة، غير قادرة على الانخراط في النظام العالمي، كما باتت ترى فيها عبئاً سياسياً وأمنياً وأخلاقياً عليها، والأهم من كل ذلك أنها باتت ترى في هذه الأنظمة مصدر تهديد لها، أيضاً!

- إدارة أوباما تحسم باتجاه التغيير:

العامل الرابع، ويتمثل بتصادف اندلاع الثورات الشعبية في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي يختلف عن سلفه (بوش الابن)، في الثقافة والسياسة والرؤية، والذي شكل قطيعة مع السياسات الحمقاء التي انتهجها بوش (وحزبه «المحافظون الجدد»)، والمتمثلة بتصدير «الثورة»، والتغيير بوسائل القوة، وشن الحروب، والدعم المطلق لإسرائيل، وامتهان العالم العربي، وإثارة النعرات الطائفية والإثنية فيه.

هكذا، اجتمعت لحظة نادرة في التاريخ تمثلت بالثورة الشعبية العارمة في بلدان تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها، مع إدراك الولايات المتحدة لواقع تضاؤل قدرتها على السيطرة، ومع ميل الولايات المتحدة للتحرر من عبء أنظمة باتت خارج التاريخ، وكل هذه العوامل اضطرت إدارة أوباما، التي تبدو متعاطفة إلى حد ما مع القضايا العربية (بغض النظر عن مدى قدرتها على ترجمة نواياها)، إلى الحسم باتجاه تقبل التحول الديمقراطي في النظم العربية.

ولعل كل ذلك يفسر أننا شهدنا خلال الأيام الأولى للثورة المصرية مفارقة صارخة تتمثل في قيام النظام المصري السابق، الذي كان يقدم الخدمات المجانية للسياسة الأميركية، والذي كان طوال حكم مبارك (أي طوال ثلاثين عاماً)، طوع الإملاءات السياسية الأميركية في الشرق الأوسط، يتحدث بكل تبجّح عن رفضه التدخلات الأميركية في الشئون الداخلية لمصر، إلى درجة وصل معها حد اتهامه الثورة الشعبية المصرية بأنها إنما تتحرك بأياد خارجية، ضمنها أيادي الولايات المتحدة الأميركية، وهي الأكاذيب التي لم تنطل على أحد.

في هذا الإطار، يمكن ملاحظة أن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي جاء تعقيباً على ثورة الشعب المصري التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، كان لافتاً جداً في مضامينه، حيث إنه تجاوز الأعراف والتعابير الدبلوماسية، التي اعتادت عليها الإدارات الأميركية، في مثل هذه المناسبات.

ففي هذا الخطاب، ذهب أوباما إلى حد تمجيد هذه الثورة، والاحتفاء بمعانيها، واعتبارها مفصلاً مهماً في تاريخ العالم، طالباً من الشعب الأميركي التعلم من المصريين.علماً بأن الحدث، موضوع الخطاب، لا يتعلق بإسقاط نظام محسوب على الإدارة الأميركية فحسب، وإنما يتعلق بإسقاط واحد من أهم الأنظمة التي تعتبر من أركان السياسة الخارجية للولايات المتحدة في هذه المنطقة.

ومما قاله أوباما في خطابه، مثلاً: «هناك لحظات قليلة جداً في حياتنا حيث لدينا امتياز أن نشهد التاريخ يحدث... هذه إحدى اللحظات... شعب مصر تكلم، وأصواته قد سمعت، ومصر لن تكون ذاتها أبداً... هذا يعني رفع حال الطوارئ ومراجعة الدستور وقوانين أخرى تجعل هذا التغيير لا رجعة فيه، ووضع أسس طريق واضح لانتخابات عادلة... هناك شيء في الروح يصرخ من أجل الحرية (مقتبساً من مارتن لوثر كينغ)... كلمة تحرير (قالها بالعربية) ستذكرنا إلى الأبد بالشعب المصري، بما فعله، بالأشياء التي وقفوا من أجلها وكيف غيروا بلدهم، وبهذا غيروا العالم... لقد ألهمنا الشعب المصري».

هكذا، فإن ثورات الشعوب العربية التي ساهمت في تحرير المجتمعات العربية من واقع التسلط والفساد، وأعادت لها كرامتها وثقتها بنفسها، ووضعت العالم العربي على سكة الحرية والمستقبل، بيّنت، أيضاً، أن المنطقة العربية لم تعد لعبة في يد الولايات المتحدة الأميركية (والسي آي أي)، تحركها كما تشاء، كما كان يعتقد البعض، وأن هذه المنطقة باتت قادرة على تقرير مصيرها بنفسها.

والأهم من كل ذلك فإن ثورة الشعوب العربية أثبتت أنها قادرة حتى على دفع الولايات المتحدة الأميركية، وكل القوى الدولية وفي العالم، إلى مراجعة سياساتها في هذه المنطقة، على أساس احترام إرادة هذه الشعوب، والرضوخ لطموحاتها في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة

إقرأ أيضا لـ "ماجد كيالي"

العدد 3191 - الخميس 02 يونيو 2011م الموافق 01 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً