العدد 3187 - الأحد 29 مايو 2011م الموافق 26 جمادى الآخرة 1432هـ

دروس من أوبرا

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الحلقة الأخيرة من برنامج «أوبرا وينفري»، التي حضرها 13 ألفاً، أشارت إلى العنصر الأكبر الذي جعلها ضمن قائمة النساء الأكثر تأثيراً في العالم، وهو «رسالة المحبة» للجميع.

بعد أن شكرت الجمهور، قالت وينفري بمحبة وتواضع: «إن شيئاً في داخلي مرتبطٌ بكل واحد منكم، وكنت أرى نفسي فيكم وأراكم في نفسي. استمعت لكم وكبرت معكم، وأعرف أنكم كبرتم معي أيضاً».

علاقتها مع الجمهور كان سر نجاحها إذاً، وقد وصفت معجبيها بـ «ملاذها الآمن وحصنها المنيع»، وأوصتهم بأن يحاولوا أن يصبحوا بدورهم حصناً لغيرهم، وملاذاً آمناً لجميع من حولهم، لا أن يتحوّلوا إلى محرّضين على من يختلف معهم في الرأي أو الموقف السياسي، ودعاةً موتورين للثأر وسفك الدماء وتبرير انتهاك حقوق الإنسان.

التواضع طبيعة، ولا ينجح بتصنع الابتسامة أمام الكاميرا. والمتواضع الحقيقي يؤمن بأنه كلما زاد تواضعاً زاد رفعة في عيون الناس. تقول أوبرا: «كنت أحياناً معلّمة، ولكن في معظم الأحيان تعلّمت منكم أيها الجمهور». أين منها الطواويس الذين لا يشاهدون فيلماً وثائقياً في الشهر، ولا يفتحون كتاباً في السنة، ومع ذلك يقدّمون أنفسهم عباقرةً وقادة رأي!

في الحلقة الوداعية الأخيرة، ذكّرت نفسها ومشاهديها، بنشأتها المتواضعة في الريف بولاية المسيسيبي، حيث كان طموح أغلب الفتيات أن يصبحن خادمات منازل، وبالأكثر موظفة أو معلمة. وكان بعض العنصريين يغمز من قناة انتمائها الريفي، بعد أن أصبحت موضةً لكلّ فاشل أو متسلّق أو جبان. انثروبولوجياً، الريف في كلّ الدنيا هو الذي يطعم المدن بمثقفيها وأدعيائها، فهؤلاء أعجز من عجن الطحين لأطفالهم، ولولا كرم الريف لماتت مدن العالم من الجوع.

انثروبولوجياً أيضاً، ليس هناك فكرٌ ريفيٌ وآخر مدنيّ، كما يحاول البعض خداع نفسه، وخصوصاً في البلدان التي لا يزيد حجمها عن علبة تونة، بل هناك فكرٌ إنسانيٌ يقابله فكرٌ عنصري متخلّفٌ، وهذه هي قصة الحضارة باختصار.

لقد أثبت نجاح أوبرا انحطاط الفكر العنصري المتخلّف البغيض، تقول وهي تذكّرنا بتجربتها: «لم يكن مصادفةً أن فتاة صغيرة وحيدة، لم تشعر بكثير من المحبة في صغرها، وعندما كبرت شعرت بلطف ومحبة وثقة حقيقية من الملايين في العالم». شقّت هذه الفتاة طريقها في الصخر، وأصبحت «بمعجزة وإرادة الله» كما تقول، مقدّمة برامج مشهورة ومحبوبة من الملايين. لم تتسلق على ظهور زملائها، أو تشي بأحدهم أو تنصب محاكم تفتيش للآخرين المختلفين عنها في لون بشرتها، ولم تحوّل برنامجها إلى حفلة زيران للقذف والشتم وتوزيع التهم على الناس.

كانت صادقة مع نفسها قبل أن تكون صادقة مع الآخر، فذلك من أعمدة أي برنامج ناجح في العصر الحديث. تستضيف الضيوف ليدلوا بتجاربهم وتشاركهم في الحوار، ولا تتحوّل إلى محقّقة جنائية، تشق عمّا في قلوبهم وتتهم نواياهم، أو تضع الأجوبة على ألسنتهم، أو تنصب نفسها محامية عن سياسات الإدارات الأميركية، أو تخصّص حلقات خاصة للدفاع عن الوزراء وتبرير سياساتهم الفاشلة. حتى عندما ترشح ابن جلدتها باراك أوباما، احتفظت برأيها لنفسها لكي لا تؤثر على موقف جمهورها ومحبيها، احتراماً لحياديتها ولحريتهم في الاختيار.

كانت سعيدةً لمجرد حصولها على الوظيفة، ولم تهتم كثيراً بشكلها أو مظهرها، فهي تذهب لتسجيل حلقة حوارية وليس إلى عرض أزياء ومستحضرات المكياج. كانت تهتم باستقطاب الجمهور لمشاهدة برنامجها، ولم تنفّر 70 في المئة من الشعب الأميركي من مشاهدة القناة!

هي الآن تعد لإطلاق فضائيتها الخاصة، وفي عصر الفضائيات، يتم إرسال المذيعات الجدد للالتحاق بدورات تثقيفية لتهذيب لغتهن وطريقة إلقائهن واكتساب القدرات الأساسية قبل أن يظهرن على الشاشة مثل الشعشبونات. تلك هي أولى خطوات احترام الجمهور لتقديم أفضل البرامج، باعتماد الحوار المتحضر، لا أن تتحوّل إلى سوالف سوقية مبتذلة كأنها قهوة شعبية، تجعل القناة مضحكةً في دول الجوار.

لقد استطاعت أوبرا تغيير حياة الكثيرين بزرعها الأمل والمحبة والتسامح والتفهم للإنسان. خاطبتها الفنانة بيونسيه: «أوبرا، بسببك، ارتقت نساء في كل مكان لمستوى جديد من التفهم لطبيعتنا، وما نحن عليه». وقالت لها مادونا: «لقد تعلّمت منك المحبة والحكمة... والأهم من ذلك الحقيقة». تعلّموا منها... فقد كانت شمعةً تضيء الطريق للملايين، ولم تكن حمّالة حطب

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3187 - الأحد 29 مايو 2011م الموافق 26 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً