العدد 3187 - الأحد 29 مايو 2011م الموافق 26 جمادى الآخرة 1432هـ

حين تنعدم قيمة الكائن البشري

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

تستقيم لدى الكثير منا قناعة بأن وجوده ضروري لاستتباب أمر ما. في البيت في الشارع في المكتب بغض النظر عن حجم الدور وعظمه. لا إنسان غير مهم. يبقى الأمر في حجم الدور الذي يلعبه وحجم التأثير الذي يحدثه.

الوعي البشري يتجه نحو الالتفات إلى هذه القيمة الكبرى. الالتفات إليها بمعنى وضعها على رأس أولوياته. ليست كل الشواهد تذهب بهذا الاتجاه، لكنها في المقابل ليست كلها على النقيض من انحيازها إلى تلك القيمة.

ضمن محيط عالمنا الثالث، ولست أدري الحكمة من هذه التصنيف العددي الثلاثي، فيما الإنسان في هذا الجزء لا تجد له قيمة تقترب حتى من الصفر. كل هذا الانحطاط والتخلف سببه أن الإنسان في هذا الجزء من العالم لم يعد هو المركز. لم يعد هو القيمة الكبرى التي تتحرك وتنظر وتسمع وتنجز وتتفاعل من خلاله دول ذلك العالم. هو خارج سلـَّم الاهتمام والأولويات والقيمة. حين تنعدم قيمة ذلك الكائن في أي جزء وأي محيط من العالم لا قيمة لأي قيمة. لا قيمة لاقتصاد قائم على الجشع وناطحات سحاب يسكنها السياح فيما المواطن يبحث عن «خرم إبرة»، لتتحول تلك الناطحات إلى مشروعات استفزاز لأعصاب وحاجة ذلك الإنسان. لا قيمة للموارد التي تسيرها وتتحكم في مداخيلها قلة، فيما السواد الأعظم يحرق دمه يومياً في لهاث مستمر بحثاً عن لقمة عيشه وما يسد به رمقه ورمق عياله. لا قيمة لبنية تحتية هي مشاريع اقتصادية تستنزف من خلالها الدولة المداخيل التي تكاد لا تـُذكر لدى المواطنين على شكل ضرائب ومكوس. لا قيمة لإعلام يمجِّد ويسبغ الأضواء على الذين سرقوا الأضواء والنور من حياة أغلبية المواطنين، فيما أولئك الكادحون مشروعات للنسيان وملفات تبعث على الخجل والحياء وتنأى أجهزة الإعلام بنفسها عن التورط في هكذا حماقة بإتاحة مساحة لأولئك.

لا إنسان غير مهم. الدولة هي التي تدفع حتى بكبار العقول إلى مهب النسيان والشلل حين لا تجد لها مكاناً لائقاً بسهرها الغابر وتحصيلها الشاق من المعرفة. وهي التي يمكنها أن تدفع بمتواضعي العقول إلى أن يصبحوا كباراً حين تتيح لهم مساحة أكبر من المعرفة وما يمهد لتراكم الخبرات وتطويرها مع رؤية مخططة للحوافز في الوقت نفسه، ليأخذوا مكانهم في حركة الحياة وتفاصيل تلك الحركة. حتى «الزبَّال» الذي وبحكم نظرتنا النمطية له، هو الآخر مسئول عن تكدس فضلاتنا التي تتحول إلى أوبئة وأمراض ما لم يعمد إلى انتشالها. هو مصلنا اليومي الذي من خلاله نتجنب الأمراض والأوبئة أو نكون بمنأى عنها ولكن لا أحد يلتفت إلى أحد في هذه السكـْرة الكبرى. سكرتنا بالحياة واللهو الذي يكتنفها والغياب الذي يعمها في كثير من الأحيان.

أي حديث عن قيمة ومحصلات لتلك القيمة بعيداً عن الإنسان باعتباره القيمة الكبرى في هذا الوجود، هو حديث في خمَّارة، أو سمر في مأتم

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3187 - الأحد 29 مايو 2011م الموافق 26 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً