العدد 3185 - الجمعة 27 مايو 2011م الموافق 24 جمادى الآخرة 1432هـ

البشر هم من يصنعون الحرب والسَّلام معاً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَدار الأحداث هم البشر. على أيديهم شُنَّت الحروب وسُوِّيت الأزمات وقام السَّلام. كوارث كبيرة كانت أسبابها قرارات اتخذها البشر. بدأت حرب المئة عام الدَّموية بقرار من الملك إدوارد الثالث عندما أعلن الحرب على فرنسا في العام 1339م. وشنَّت فرنسا الحرب على روسيا في العام 1812م بقرار من نابليون بونابرت الأول. كما أن غزو إمبراطورية النمسا/ المجر لصربيا ثم إعلان روسيا الحرب على النمسا، وإعلان ألمانيا الحرب ضد روسيا، ثم اجتياح فرنسا لبلجيكا ثم إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى كانت كلها نتيجة قرارات صدَّرها البشر.

وعندما وُقِّعَت اتفاقية فرساي في فرنسا لإنهاء الدم في أوروبا كان عرَّابوها بشراً أيضاً. وكذلك الحال بالنسبة إلى بقية الاتفاقيات كجنيف وسايكس بيكو وباريس وأوسلو واتفاقيات الشأن الإنساني بمختلف مناشطه وغيرها من الاتفاقيات. في المحصلة فإن الأفراد هم من يقومون بالفعل والفعل المضاد. بالتأكيد هناك عوامل طبيعية كالجغرافيا وظواهرها تلعب دوراً مهمّاً في تحديد المصالح والسياسات والعلاقات الناشئة لكننا نتحدث عن العامل البشري الذي يتحكَّم في غالبية وجوه السياسة والاقتصاد وفعليهما على الأرض بشكل أصيل.

وما دام الحال كذلك فهذا يعني أن مَنْ بمقدوره أن يُقرِّر شنَّ حرب، فإنه قادر أيضاً على إقامة سلام. ومَنْ كان قادراً على صناعة خصومة مَّا مع أحد فإنه قادر أيضاً على إيجاد صلح وسلام مع ذلك الخصم. هذا الخيال الواسع للصورة يعطينا قدرة على فهم الأمور كما يجب. لا نريد الحديث عن مثاليات هنا، لكننا أيضاً لا نشجع على الصمت والانزواء إلى الظل. فالأزمات وحلها لا يحتاج فقط إلى حَملَقة بالعين أو هزَّة كتف. فالمريض لن يستطيع أن يلبس ثوب العافية بمجرد رغبته في ذلك بحسب ما كان يقوله الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو.

اليوم ونحن نعيش أزمتنا الاجتماعية في البحرين، فإن القرار لاحتوائها ولجم اندفاعها المجنون هو بيد البحرينيين أنفسهم. لا نريد الحديث عن معالجة الإشكال السياسي المتشابك؛ لأن التجارب علَّمتنا أن السياسة لها عالمها وشخوصها وفرسانها يُنزِلون ويرفعون ويذمّون ويمدحون، ثم نجد أن مُحاربي الأمس وقد جنحوا إلى السِّلم في لحظة ما، لكن الشأن الاجتماعي لا فرسان له سوى جنس البشر أنفسهم؛ لأنهم أنفسهم أصل التعاطي فيه وبشأنه وحوله، وبالتالي فهم الأقدر على رؤية أسقامه وعِلله وابتكار علاجه، وعدم تأجيله أو ترحيله لكي لا يغدو ذا مشاكل مُركَّبة ومُعقدة.

في كلّ الأحوال فإن الحُلول عادة مَّا تكون بيد آحادهم ومجموعهم على السَّواء. فالأمر لا يحتاج إلى اجتماعات ومبادرات وتجمُّعات تنسجها حملات علاقات عامة، أو ترفدها آلة إعلامية، بقدر ما يحتاج إلى قدرات شخصية بسيطة وفردية. لأن الكثير من تلك الاجتماعات تستغرق في الشعار على حساب الشعور، وتغرق في البيروقراطية على حساب الديناميكية وتجميع النتائج وقياس الوقت، ثم إنهاض الزوايا الخاملة من خلال المخزون المتدفق من تلك النتائج.

موضوع كاتصالات الأفراد ببعضهم بعضاً هو وسيلة ناجعة جدّاً لكسر أيّ حاجز نفسي بينهم، وتمهيد لتمتين علاقات فاترة يُراد لها أن تنمو وتتماسك. فالتقابل اللفظي الإيجابي والاستماع والتعليق وتوضيح الغوامض هو من أكثر الوسائل الفاعلة في العلاقات بين البشر. عندما تقرأ ما كتبه أرمان وميشال ماتلار في تاريخ نظريات الاتصال ترى أن ذلك داخلٌ في أمور تتعلق بالتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والانثروبولوجيا بشكل عضوي.

أمر آخر يتعلق باللقاءات المباشرة بين الأفراد ووقوع العَيْن في عَيْن الطرف الآخر هي أيضاً من أهم عوامل الوصل النَّقي بين الأفراد والذي يستخدم فيه البشر الوسائل الجسدية التقليدية في التعامل البيني. ونحن نرى أنه وعلى رغم ازدياد وتيرة التطور الاتصالي وأدواته من شبكات هاتف وانترنت وبريد الكتروني ودوائر تلفزيونية مغلقة لم يستغنِ الناس وإلى الآن عن الزيارات الشخصية والمباشرة نظراً إلى ما يكتنفها من حميمية وقفز على أي عائق ذاتي أو نفسي بين الأطراف.

بل إن تلك الزيارات نراها على أنها العامل الأمضى الذي يستطيع أن يُحلحل القضايا المستعصية. لاحظوا الزيارات التي تقوم بها الزعامات الحاكمة والسياسيون للبلدان كيف تأخذ طابعاً شخصانيّاً ممزوجاً بحضور كيان الدولة، الأمر الذي يُفضي عادة إلى تسويات وإغلاق ملفات مأزومة، لم يستطع أن يحلها الوسطاء، ولا الوسائل الاتصالية الحديثة. بل إن تلك الزيارات عادة ما تكون ممهورة في تاريخ العلاقات بين الدول، ويُحيَّن لاحقها طبقاً لظروف حصولها وتاريخه وزمانه. دققوا في العلاقات الدولية وستجدون أن ذلك حقيقة ثابتة.

إذا أراد البحرينيون أن يُطفئوا نار الخلاف الاجتماعي والطائفي التي أوقدها الأغبياء والحمقى بينهم فعليهم أن يعتمدوا على تلك الوسائل التي قد يراها البعض بدائية في حين أنها الوسائل الحقيقية للتقارب. عليهم أن يتواصلوا بشكل يومي وعليهم أن يلتقوا ويضعوا أعينهم ببعضهم بعضاً لكي يُترجموا المواقف والآراء ووجهات النظر والبناء على المشتركات من الأمور. على الجميع أن يتزاوروا ليس في الأفراح والأتراح فقط، وإنما في ساعات لا صلة لها بأيّة مناسبة. وليجترحوا لأنفسهم عرفاً وسلوكاً مُضادّاً لما أُوقِعُوا فيه عنوة. وسيكتشفون لاحقاً أن ذلك ليس ترفاً من القول وإنما هو عين الحل الذي يُكابد الجميع من أجله

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3185 - الجمعة 27 مايو 2011م الموافق 24 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً