أصابت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العالم بالصدمة، شعرت بالأسى مع هؤلاء الذين قتلوا وهؤلاء الذين فقدوا محبين. انفطر قلبي من الحزن بسبب الحقد الموجّه ضد بلدي والمواطنين الأميركيين، كأنما نحن نعتبر أقل من بشر. شعرت بالخوف والعجز والذنب لأنني لم أتمكن من حماية بلدي الذي أحبه. شعرت بالارتباك. لم أعتبر أحداً عدوي، ولم أفهم لماذا يعتبر أحدهم أنني عدوته، أو لماذا شعروا أن العنف هو السبيل الوحيد لحل المشاكل.
أصبحت أمارس حل النزاعات بسبب الحادي عشر من سبتمبر. وأنا أعمل حاليّاً مع شركاء من دول ذات غالبية مسلمة في مجال التعليم وبرامج صنع السلام. مثله مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر أدى مقتل أسامة بن لادن إلى الكثير من المشاعر والتفكير المعمّق.
غيّر الرجل الذي ادعى المسئولية عن الحادي عشر من سبتمبر وهجمات متعددة أخرى حياة كل من الأميركيين وآخرين كثيرين عبر العالم. وعلى رغم أن البعض احتفلوا بموته، كانت ردة فعلي وكثيرون غيري الأمل بحياة جديدة، وأن يعيش بلدنا وعالمنا الآن بخوف وألم أقل قليلاً، وأمن وسلام أكثر قليلاً.
شعرت كذلك بالحزن، فكل حياة بشرية هي خلق ثمين قام به الله تعالى، وفقدان أية حياة بشرية هي مبرر للحزن والألم. شعرت بالحزن مع أسرة بن لادن التي فقدت أباً وزوجاً. شعرت بالحزن لاحتمالات هائلة جرى تبذيرها. كان يمكنه أن يكون قوة هائلة للعمل الطيب لو أنه استخدم تأثيره من أجل السلام بدل الحرب.
شعرت بالتقدير لأنه بحسب صحيفة «النيويورك تايمز»، استشار الأميركيون علماء مسلمين قبل غسل جسده ولفّه بالكفن الأبيض والصلاة عليه بالعربية ودفنه قبل مرور 24 ساعة، مظهرين لبن لادن نوعاً من التعاطف لم يريه هو لضحاياه.
شعرت بالخوف. من الأرجح أن الحقد الذي تكنّه القاعدة لنا قد تضخم مئة مرة. كيف سيردّون؟
شعرت بالألم. عندما أرى بن لادن أتذكر الحادي عشر من سبتمبر، فأعيش ذكريات حاولت دفنها. قد تصبح الجروح أكثر تحملاً مع الوقت، لكنها لا تذهب أبداً.
شعرت بالتعاطف ورغبة قوية بالصلاة، لأجل ضحايا بن لادن ومزيد من السلام في العالم ولبن لادن نفسه. يؤمن الكاثوليكيون بأن المسيح (ع) علّمنا أن «نحب عدونا ونبارك الذين يلعنونا وأن نفعل الخير لمن يكرهنا وأن نصلي لمن يسيئون معاملتنا» (مرقص 44:5). لقد طلب من الله أن يغفر قتلته. قُتل بن لادن في يوم أحد الرحمة الإلهية، عندما يحتفل الكاثوليكيون برحمة الله تجاه حتى أكثر الخاطئين شدة. صليت لكي تغطي رحمة الله روحه، وتغفر له الأعمال الشيطانية التي ارتكبها. يقول الإنجيل: «سوف تكون هناك فرصة أكبر في السماء عن خاطئ واحد يثوب مما هناك على 99 شخصاً تقيّاً» (لوقا 7:15). تأتي من خلال الصلاة من أجل المغفرة والغفران تجاه هؤلاء الذين تسببوا لنا بالأذى بفرح مؤكد عند الله.
في مواجهة هذا الكم الهائل من العواطف، تمكنت من خلال الصلاة والمغفرة أن أجد السلام أخيراً. نجعل الحب من خلال كل صلاة أقوى من الحقد. يحتاج هؤلاء الذين ما زالوا ملتزمين بالحقد والعنف صلواتنا. يحتاج العالم كله صلواتنا من أجل السلام.
أصلي لأن نصبح نحن الأميركيين وإخواننا وأخواتنا في العالم المسلم متحدين في العمل معاً من أجل سلام أعظم. لقد عانينا جميعاً بسبب بن لادن. كانت مهمته ورسالته نشر بذور الشك والعداء والخوف وعدم التسامح والعنف والحقد بين العالم المسلم وأميركا. نستطيع مجابهة هذه الرسالة بأساليب عديدة: بأن نلتزم بأفضل قيمنا داخل مجتمعاتنا وفي كيفية تفاعلنا مع الآخرين، والالتقاء والتعلّم عن بعضنا بعضاً، واحترام بعضنا كأفراد ورفض اللوم الجماعي للشعوب والديانات ودراسة وممارسة مبادئ حل النزاعات والعمل عبر الثقافات كمواطنين للتعامل مع القضايا العالمية التي تعاني منها مجتمعاتنا.
لنعمل على تطبيق «سلطة الشعب» التي أظهرها المصريون والتونسيون في علاقاتنا، حيث يخلق المواطنون العاديون تغييراً سلميّاً من مستوى الجذور.
أبرز الرئيس الأميركي باراك أوباما مقتل بن لادن من خلال تكراره أن أميركا لن تخوض الحرب ضد الإسلام. يتشارك معظم الناس في أميركا والعالم المسلم بالأمل نفسه لأسرنا وأبنائنا ودولنا وعالمنا. لنعمل معاً، ونصلي معاً من أجل التعايش السلمي الذي سعى بن لادن لمنعه: أن نكون عائلة إنسانية واحدة تحت حكم الله تعالى.
ليتذكر العالم إرثنا ليس إرثه
العدد 3184 - الخميس 26 مايو 2011م الموافق 23 جمادى الآخرة 1432هـ