العدد 3183 - الأربعاء 25 مايو 2011م الموافق 22 جمادى الآخرة 1432هـ

في الأزمات

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في الأزمات التي تعيشها أي أمة، يحدث أن تنشأ على هامش تلك الأزمات محاكمات، تزايد على المحاكمات الرسمية. تلك المحاكمات التي تُترك من دون مراقبة، وتتحرك - على رغم جهلها مدفوعة مرة بالمصالح والمنافع والمزايدات والانتقام الأعمى من دون تمييز - ناصبة مشانق تخوينها وتحريضها، وأحياناً أوامرها، وتارة اقتراحاتها ومطالبها بطبيعة الأحكام التي تشتهيها وتشفي غليلها قبل أن تقول المحاكم الرسمية قولها وفصلها في هذا الأمر.

ذلك أمر في غاية الخطورة. على الدُّول أن تتعامل بمستوى عقلية الدُّول في التعامل مع مواطنيها على اختلاف مكوناتهم وخصوصاً في الأزمات، من دون انتباه إلى الأصوات التي تخرج على الناس بالوصاية أو الضغط - مهما كبر أو صغر تأثيره - متطلعة إلى انتقامها الأعمى.

حين يُترك أولئك والدولة تمضي في تأكيد وتثبيت سيطرتها وهيمنتها على الأوضاع، يتحولون إلى أجهزة خارج نطاق وسيطرة الدولة. ثمة أصوات خرجت تهدد وتبتز الدولة بما أسمته «الثورة المضادة» إذا لم تذعن الدولة إلى قائمة تشفِّيها وتخوينها وتحريضها، وأوامرها. وثمة أصوات خرجت بكل وضوح حتى على مستوى اللغة في موقف تشطيري لا يقبل التأويل حين تتحدث عن «أبنائنا» و»أبنائهم» وذلك على مرأى ومسمع من الدولة.

كل القطاعات التجارية تصاب بخمول إن لم يكن بالسكتة القلبية وقت الأزمات الكبرى والكوارث باستثناء تجارة «المنافع» و»المزايدات» و»الانتقام الأعمى» من دون تمييز، هذه تجارة لا تطل برأسها إلا وقت الأزمات. تجارة موسمية لذلك لا يدخر أصحابها جهداً في سبيل تحقيق أكبر قدر من المكاسب من خلالها.

ومازالت لغة الاستفزاز والتخوين والدعوة إلى الانتقام والتصفية والبتر قائمة إلى يومك هذا، ويبدو ألا أفق يشير إلى انتهائها في ظل ممارسات يمكن تلمس طبيعتها على الأرض.

اليأس طبيعة بشرية لكنه زائر قصير النَّفَس، مقارنة بنَفَس الأمل الذي هو حصانة الإنسان؛ لكن الأمل لا يعني بإطلاقه قدرتك على التعايش مع اليأس في مداه اللانهائي؛ لكن مثل تلك الكتابات التي لم تخجل وهي تدفع باتجاه التشطير والتأزيم وسد المنافذ؛ تدفع بواقع البلد إلى مزيد من التأزيم، ومزيد من مصادرة أفق المصالحة والتوافق الذي، طال الزمن أم قصر، سيكون الخيار الأوحد إذا أريد لهذه الأمة أن تستقر وتلتفت إلى واقعها بكل تجرد لتبني من خلاله مستقبلها، الأمل في أن مكونات هذا الوطن وجدت لتبقى وتتعايش فيما بينها. تحدث أزمات وربما تتراكم لكن الإنسان بطبعه قادر على أن يعلو عليها ويتجاوزها ضمن حدود العقل، والنَّفس البشرية من دون أن ننسى القانون الذي متى ما فُعِّل في جانبه العادل يكفل هو الآخر تحقيق ذلك، باعتباره الضَّامن لحقوق وواجبات تلك المكونات.

بعض الهستيريا في تلك الكتابات، لا يمكن التعامل معه باعتباره رد فعل، بقدر ما يشهد تاريخ بعض تلك الكتابات وأصحابها باعتبارهم قناصين للفرص وتجار أزمات. في هذه المرحلة لا نحتاج إلى تجارة من هذا القبيل تدفع بنا إلى مزيد من الفقر على المستوى الأخلاقي والإنساني والوجودي. نحتاج إلى تجارة بضاعتها العقل والعدل والأمل وإقرار الحقوق والدَّفْع بالواجبات وتحمل المسئولية من دون مزايدات تطل علينا من هنا وهناك لتزيد أزمتنا أزمات واحتقاننا احتقانات وتشرذمنا تشرذمات

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3183 - الأربعاء 25 مايو 2011م الموافق 22 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً