لحظة إشعاره بتعرض إحدى مراسلات وكالات الأنباء لسوء معاملة في أحد مراكز الشرطة، بادر معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بتوجيه تعليماته كي يجري التحقيق في الموضوع، و«تم استدعاء المذكورة، وجرى أخذ إفادتها من أجل استكمال التحقيق في الواقعة».
يمكن النظر إلى مثل هذه الحادثة على أنها إجراء روتيني يتكرر حدوثه بين الحين والآخر، في وزارة مثل وزارة الداخلية، ومن ثم فهو لا يستحق التوقف عنده. لكن اليوم، والبحرين تعيش ذيول الأحداث الأخيرة، تكتسب هذه المبادرة من لدن معالي الوزير أهمية متزايدة نظراً إلى ما تشير إليه من مدلولات لابد أن تؤخذ في الاعتبار.
أول ما تكشفه تلك الحادثة، حرص وزارة الداخلية البحرينية، من خلال توجيهات معالي الوزير، على تعزيز مفهومها الحضاري للحفاظ على الأمن القائم على صيانة حق الإعلاميين في ممارسة دورهم في ظل حماية الدولة، ومن ثم فإن أي تصرف لفرد من أفراد الوزارة إنما هو سلوك شخصي لابد من عدم الاستهانة بسلبياته، ومن ثم ضرورة محاسبة من أقدم عليه، الأمر الذي يعطي درساً لكل من تسول له نفسه الخروج على السياسة العامة للوزارة المنطلقة من احترام حق المواطن في التمتع بكامل حقوقه بما في ذلك إبداء رأيه بما يؤمن به.
ثاني مدلول لهذه الحادثة، هو متابعة معالي الوزير لكل ما يدور في وزارته من أحداث، بما فيها تلك القضايا التفصيلية، مثل تعرض مراسلة لسوء المعاملة. ليس المقصود هنا التبرير لسوء المعاملة، بقدر ما الإشادة بموقف معالي الوزير، الذي أكد رفضه لذلك السلوك، وإصراره على أن تأخذ العدالة مجراها، وينال كل ذي حق حقه من الثواب والعقاب.
كل ما يتمناه المواطن أن يشيع مثل هذا السلوك الراقي حضارياً من لدن معاليه في كل مؤسسات الدولة وإداراتها الأخرى، ويتحول إلى نموذج يحتذى به، ويقود إلى وقف أي شكل من أشكال الإساءة لأي مواطن جراء الاتهامات التي بات يحلو للبعض التبرع بتوجيهها له - دونما أي حق - إما من أجل إلصاق تهم باطلة به، أو من أجل التقرب من المسئولين على حساب الآخرين وظلمهم. وهناك بعض الشواهد على سقوط ضحايا جراء إنصات بعض المسئولين للشائعات التي تم ترويجها ضد هذا المواطن أو ذاك، بمن فيهم موظفو الدولة أنفسهم، ناهيك عن مواطنين شرفاء مخلصين للنظام، ويرفضون كل ما يمكن أن يسيء إليه. كل ذلك إنما هو محصلة الإنصات والثقة العمياء غير المبررة لإشاعات تناقلها المغرضون بحق أولئك المواطنين، لكنها لم تجد شخصاً، كلف نفسه، مثل معالي وزير الداخلية، مشقة التثبت من الحقيقة قبل أن يلحق الظلم بمن وشي بهم.
يأمل المواطن المخلص لهذا الوطن أن يكون ما جرى في وزارة الداخلية نموذجاً يحتذى به في سائر مؤسسات الدولة الأخرى، كي ينعم ذلك المواطن بالثقة في دولته، التي يحاول أولئك الوشاة الإساءة لها من خلال دق إسفين عدم الثقة بينها وبين أولئك المواطنين الشرفاء
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3182 - الثلثاء 24 مايو 2011م الموافق 21 جمادى الآخرة 1432هـ