العدد 3182 - الثلثاء 24 مايو 2011م الموافق 21 جمادى الآخرة 1432هـ

مصر قلب إفريقيا النابض... الضرورة وحتمية التعاون

محمد أشرف حربي comments [at] alwasatnews.com

سفير جمهورية مصر العربية لدى البحرين

تحتفل مصر وشقيقاتها من الدول الإفريقية في الخامس والعشرين من شهر مايو/ أيار من كل عام بـ «يوم إفريقيا»‏، ذلك اليوم الذى يرمز لتفعيل التضامن الإفريقي‏ وتطوير آليات العمل المشترك بالقارة السمراء من خلال إنشاء منظمة «الوحدة الإفريقية»، (الاتحاد الإفريقي حاليّاً)، بالعاصمة الأثيوبية (أديس أبابا) في اليوم نفسه من العام 1963 فيما مثل نقطة تحول فاصلة فى حياة القارة السمراء نحو الكينونة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية المشتركة، حيث لم تعد منذ ذاك التاريخ مجرد مساحة جغرافية بل أصبحت شخصية قارية لها ماهيتها العضوية وخطابها السياسي وآمالها المشتركة في الاتحاد والتنمية والسلام.

وليس ثمة شك، في اعتبار الدائرة الإفريقية بمثابة إحدى الدوائر الرئيسية فى أولويات السياسة الخارجية المصرية، حيث ترتبط مصر بإفريقيا ارتباطاً حضاريّاً وتاريخيّاً ومصيريّا وجغرافيّاً وسياسيّا واقتصاديّاً وأمنيّاً وثقافيّاً وفي إطار نهر النيل، وهي كلها المنطلقات التي تبرز خصوصية العلاقات والمصالح المصرية في إفريقيا، وتجعلها أحد المحاور التي توليها مصر اهتماماً كبيراً وتبذل في سبيل نهضتها كل ما هو متاح من جهد وإمكانيات.

تأسيساً على ما تقدم ومثلما يوثق التاريخ المعاصر، فلم تكن مصر بعيدة عن إرهاصات تكوين منظمة الوحدة الإفريقية أو صياغة ميثاقها أولحظة ميلادها أو جهود تفعيل دورها، بل كانت منذ الوهلة الأولى- ولاتزال - لها لمساتها المؤثرة ومساهماتها المشهود لها في مسيرة الوحدة الإفريقية، وهي المساهمات التي خطتها في العام التالي للإنشاء مباشرة- أي في العام 1964- باستضافتها أول اجتماعات هذه المنظمة الناشئة بالقاهرة، والذي أسست فيه لتوجهاتها الإفريقية التالية وصولاً إلى وقتنا الحالي والمتمثلة في احترام التراب الوطني‏‏، وحل المشكلات المشتركة في إطار وطني إفريقي‏، وعدم فتح الباب للتدخلات أو التداخلات الأجنبية‏، ناهيك عن وقوفها منذ البداية بجانب حركات التحرير الإفريقية وتكريس إمكانياتها لمعاونتها بحيث أضحت - ومازالت - العاصمة المصرية (القاهرة) مركزاً لإشعاع تلك الحركات ونقطة انطلاق نحو تحقيق طموحاتها.

ولعله من الأهمية بمكان في هذا المقام، إبراز بعض من معالم الدور السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والثقافي المصري بالقارة الإفريقية على مر العصور، كالآتي:-

أولاً:اختيار مصر رئيساً لمنظمة الوحدة الإفريقية لفترتين متتاليتين خلال أربع سنوات - الأولى في 1989 والثانية في العام ‏1993- حيث شهدت الفترة الأولى تداخلاً مصريّاً في التعامل مع إرهاصات بعض المشكلات السياسية والأمنية والحدودية الناشئة آنذاك مثل مشكلات الحدود بين السنغال وموريتانيا وجنوب السودان ورواندا‏ والنزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو‏، بينما شهدت الفترة الثانية إتمام الاحتفالية بمرور ثلاثين عاماً على إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية وصدور إعلان القاهرة بما حواه من مدونة سلوك مستقبلي في ستة عشر بنداً تتضمن تأكيد الالتزام بمبادىء الديمقراطية، وإتمام الوحدة الاقتصادية، واتخاذ إجراءات حاسمة ومحددة لحل المنازعات الإفريقية إقليميّاً، فضلا عن بحث وسائل تنمية التعاون العربي/ الإفريقي‏.‏

ثانياً: إن المتتبع لمسيرة العمل الإفريقي بمصر في السنوات الأخيرة، يستطيع أن يتبين وجود العديد من الآليات المؤسسية المصرية الفاعلة التي كانت دوماً نبراساً يحتذى به في الالتزام بدعم القارة الإفريقية والحفاظ على الزَّخم المصري فيها، مثل:-

1 -‏ الصندوق المصري للتَّعاون الفنِّي مع إفريقيا بوزارة الخارجية‏ المصرية الذي يواصل عمله الفني الرائد في دعم التَّنمية البشرية الإفريقية مع جميع دول القارة السمراء منذ إنشائه في العام 1988، و‏الجمعية الإفريقية بدورها السياسي والدبلوماسي والإعلامي على مستوى المجتمع المدني، و‏معهد الدراسات الإفريقية على مستوى البحث والتعليم العالي، ومجلس التعاون المصري/ الإفريقي الذي يضم عدداً كبيراً من أصحاب الأعمال والمستثمرين المصريين والأفارقة، ناهيك عن العديد من الدورات التدريبية وورش العمل المشتركة التي يتم تنظيمها للكوادر الإفريقية في شتى المجالات.

2 - استضافة القاهرة اتحاد الغرف الإفريقية التجارية والصناعية والزراعية، والذي جاء إنشاؤه كخطوة مهمة لتنمية التجارة والاستثمار والبنية الأساسية ورفع القدرة التنافسية للسلع والخدمات الإفريقية في مواجهة السلع والخدمات غير الإفريقية‏.‏

3 - وضع برنامج دعم للصادرات المصرية للدُّول الإفريقية عن طريق مساهمة صندوق تنمية الصادرات المصري في تكلفة النقل والشحن إلى الدُّول الإفريقية من خلال تحمله نسبة 50 في المئة، حيث بلغت قيمة الدَّعم المقدمة نحو 8 ملايين جنيه مصري خلال العام 2009 استفادت منه 16 شركة مصرية بإجمالي صادرات نحو3 ملايين دولار.

4 - بذل الجهود الحثيثة في مجال تمويل التجارة مع الدول الإفريقية، وهو ما تمثل في إنشاء «البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد» بالقاهرة في العام 1993 بهدف تنمية التجارة الإفريقية مع العالم الخارجي وتنمية التجارة الإفريقية البينية، حيث توفر مصر نحو 30 في المئة من مساهمات رأس ماله البالغة 750 مليون دولار.

5 - المشاركة في تجمع الطاقة الكهربائية مع دول شرق إفريقيا لاستغلال موارد الطاقة في هذه المنطقة‏ وضمان إمدادات الطاقة فيها وإليها، وهو ما يأتي انبثاقاً من الاهتمام المصري بدعم المبادرات المصرية الهادفة إلى التَّعاون مع دول حوض النيل في مختلف المجالات‏.

6 - الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية تخدم الشرق الإفريقي وتلحق بها مراكز أبحاث ومعاهد فنية‏، وهي ما يأتي في إطار مبادرة /‏ نيباد، وكذا استكمالاً للبعد المؤسسي الجامعي الإفريقي في مصر‏ المتأسس في العام 1989 بإنشاء‏ ‏جامعة سنجور في مدينة الإسكندرية‏.

7 - اقتراح إنشاء مجلس إفريقي للبحث العلمي يكون مقره القاهرة‏ لإجراء البحوث العلمية المشتركة والبرامج التدريبية لباحثي القارة عن المشكلات التي تعانيها، وكذلك مقترحها الخاص بإنشاء مركز إفريقي للأمراض المتوطنة والمعدية والإيدز‏ بالقاهرة. ‏

8 - العرض المصرى بالاستعداد لاستضافة المحطة الأجنبية لقناة الاتحاد الإفريقي الفضائية‏، لتحقيق التواصل بين ثقافات القارة من خلال بث الإرسال بمختلف لغاتها والاستعداد لوضع الاستثمارات الصناعية المصرية في خدمة هذه القناة‏.

9 - تدشين أولى البرامج المصرية الموجهة إلى العالم الخارجي العام 1953، وحظيت إفريقيا بالاهتمام الأكبر في مجال هذه البرامج الموجهة منذ اتجاه السياسة الخارجية المصرية إلى التَّضامن الإفريقي بعد قيام ثورة 23 يوليو/ تموز، حيث وضعت هذه البرامج في خدمة قضايا التحرير الإفريقي، فضلاً عن التعريف بالمجتمع المصري والحضارة المصرية والعربية والإفريقية.

ثالثاً: الاعتماد المصري في دعم العلاقات التنموية مع القارة الإفريقية على البُعد الإقليمي، المتصل بكل من آليات الاتحاد الإفريقي، ومبادرة المشاركة من أجل تنمية إفريقيا (النيباد‏)، والآلية الإفريقية المرتبطة بها لمراجعة النظائر‏ الهادفة إلى الاعتماد الإفريقي للمعايير الدولية في مجال الحكم الرشيد وإدارة التنمية‏، وكذا من خلال التجمعات الاقتصادية الإفريقية القائمة كتجمع‏ الكوميسا، بالإضافة إلى دعم العمل المصري/ الإفريقي في منظومة‏ ‏حوض النيل‏.

رابعاً: تُعتبر مصر من كبار المساهمين في موازنة مفوضية الاتحاد الإفريقي، حيث تساهم بنسبة قدرها 13 في المئة المعادل لـ (16.270.517 دولاراً أميركيّاً).

خامساً: ما هو معروف من مشاركةٍ مصريةٍ فاعلةٍ في عمليات حفظ وبناء السلم والأمن بالقارة الإفريقية، وهو ما يتجلى بوضوح في مشاركتها في جميع عمليات الأمم المتحدة الجارية بعدد من دول القارة السمراء، حيث تشارك مصر في عشر من أصل خمس عشرة بعثة تابعة إلى الأمم المتحدة بما في ذلك جميع بعثات حفظ السلام بإفريقيا، كما سبق لها أن شاركت اعتباراً من العام 1960 في بعثة أممية لحفظ السلام بإفريقيا وصولاً إلى بعثة الأمم المتحدة الإفريقية (الهجين) الحالية في إقليم/ دارفور بغرب السودان.

سادساً: التعزيز الأخير للصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا - التابع إلى وزارة الخارجية المصرية - من برامجه ومساعداته للدول الإفريقية خلال العام(2010 /2011) في شتى المجالات، سواء من خلال إيفاد الخبراء، أو تقديم الدورات التدريبية للكوادر الإفريقية، فضلا عن تقديم المساعدات اللوجيستيكية والإنسانية لدعم قدرات الأجهزة الحكومية في تلك الدول، وبالاضافة إلى استحداث أنشطة جديدة تؤثر على الحياة اليومية للشعوب مثل برامج القوافل الطبية المتخصصة وتكاليف العلاج لبعض الحالات بالمستشفيات المصرية ومِنح دراسية للطلبة الأفارقة في الجامعات المصرية.

القارىء العزيز...

إن مصر باحتفالها - على رغم الظرف الداخلي الدقيق الذي تمر به حاليّاً - بيوم إفريقيا، إنما تؤكد انتماءاتها لهذه القارة السمراء العظيمة‏ وثوابتها تجاه التَّعاون معها كعمق إستراتيجي محوري لها؛ بل وإنها عضدت ذلك مؤخراً باتجاهها لتبني إستراتيجية شاملة للتحرك في القارة الإفريقية بشكل عام وفي منطقة حوض نهر النيل بشكل خاص، حيث لا تكتفي فيها فقط بالعلاقات الرسمية والترويج للتبادل التجاري والمشاركة النشطة داخل آليات ومؤسسات التعاون الإفريقي، وإنما تستند أيضاً إلى إثراء البعد الناعم في العلاقة من مداخل الإعلام والثقافة والفنون والرياضة والشباب.

وفيما تمثل هذه المداخل نواة طيبة لتوثيق قيم الاحترام بين الشعوب ودحض الأفكار الهدامة التي تعزز من فرص الصراع والخلاف بين الدول الشقيقة، يأتي نجاح دورة حوض نهر النيل الودية الأولى لكرة القدم التي احتضنتها مصر خلال الفترة من 5 إلى 17 يناير/ كانون الثاني 2011 تجسيداً واضحاً لهذه الجهود المصرية الرامية إلى إرساء وتعزيز المزيد من الأجواء الإيجابية، وروح التعاون والتفاهم

إقرأ أيضا لـ "محمد أشرف حربي"

العدد 3182 - الثلثاء 24 مايو 2011م الموافق 21 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً