لم أتفاجأ من قيام القنصل الأميركي بجدة «توماس دافي» بزيارة منزل أسرة الشاب السعودي مشاري السريحي – رحمه الله – وتقديم العزاء لأسرته بسبب العمل الرائع الذي قام به وأدى - بعد إرادة الله – إلى وفاته... وسبب عدم استغرابي من هذه الزيارة ما أعرفه عن الأميركان - عامة - من حسن الخلق واللطف في المعاملة مع الجميع فكيف بمن قدم حياته من أجلهم! والأمر الآخر أن الدبلوماسية الأميركية تعمل بنشاط من أجل تقديم الوجه الحسن لأميركا، فكانت تلك الزيارة تعبيراً عن الثقافة الأميركية بصورة عامة.
مشاري السريحي – رحمه الله – مثال للشباب السعوديين بصفة عامة، ومثال للثقافة السعودية الإسلامية التي تحث كل إنسان على أن يكون مقداماً شجاعاً يسخر نفسه لخدمة الآخرين مهما اختلف معهم في العقيدة، لأنه أخ لهم في الإنسانية، ومن واجبه أن يساعدهم وقت الحاجة.
ومن منطلق تلك الثقافة، لم يتردد الشاب السعودي مشاري الذي ذهب للدراسة في أميركا في الإسراع في قذف نفسه في المياه شبه المتجمدة، وفوق هذا الرياح كانت شديدة لإنقاذ الطفل الأميركي «مايكل» الذي كان على وشك الغرق، واستطاع بعد جهد كبير أن ينقذ الطفل ذا الأربعة عشر عاماً ويحمله إلى شاطئ البحيرة سليما معافىً.
لم يتوقف السريحي عند هذا الحد؛ فعاد مرة أخرى إلى قلب المياه شبه المتجمدة باحثاً عن الأب لكي يساعده على النجاة لكنه وبسبب البرد الشديد أصيب بتشنج في العضلات فلم يستطع الاستمرار في البحث، بل ولم يعد قادراً على الحركة فتوفي غرقاً، وقد عثر على جثته بعد جهود شاقة بسبب رداءة الأحوال الجوية، وشهد كل من رآه أنه كان مبتسماً، ولعله – رحمه الله – كان سعيداً بما فعل، وبوفاته شهيداً إن شاء الله.
الطفل «مايكل» كتب في صفحة مشاري على الفيس بك: إنه سيبقى دائماً ذاكراً من أنقذ حياته، وإن قلبه وعقله لن ينسياه أبداً هو وعائلته...
سؤالي بعد ذلك كله: هل هذه الحادثة وحوادث أخرى مشابهة قام بها شباب سعوديون من أجل إنقاذ أرواح أميركان ستجعل الإعلام الأميركي وبعض الأميركان يغيرون من نظرتهم للسعوديين وللإسلام أم أن ذلك كله لا يعني لهم شيئاً؟! هل سنشهد إنصافا لديننا وشبابنا من الإعلام والمجتمع الأميركي أم ستبقى نظرتهم كما هي؟ّ!.
أعرف أن شبابنا فعلوا ذلك كله ليس من أجل تحسين نظرة المجتمع الأميركي لهم، فالإنسان لا يقدم حياته ثمنا لسماع كلمة ثناء من أي شخص مهما كانت مكانته... ولولا أن قناعتهم الراسخة بما فعلوه وأهميته لما أقدموا على فعل ذلك، وهذا هو الشيء الذي أتمنى أن يعرفه القنصل الأميركي، وينقله إلى أهله ومجتمعه في أميركا.
الشيء الذي أود تأكيده – أيضاً – أن خلافنا كشعب ليس مع الشعب الأميركي بل مع السياسة الأميركية، وفرق كبير بين الحالتين، فالأميركان – كما أعرفهم – من الشعوب الطيبة المسالمة والمتسامحة – ولا يمكن أن نحكم عليهم من خلال تصرف حكومتهم السيئ تجاه القضايا العربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، فهذا التصرف له ظروف أخرى لا مجال للحديث عنها في هذا المقال.
مرة أخرى أشكر للقنصل الأميركي حسن تصرفه، وأترحم على فقيدنا جميعاً الشاب مشاري السريحي سائلاً الله له الجنة، وأعرف أنه قام بعمل عظيم يحمده له كل أحد، وأثبت بهذا العمل الرائع المعدن الطيب لشباب بلادنا، وأنهم رمز للتسامح والأخلاق الفاضلة وكذلك الشهامة الأصيلة النابعة من دينهم وثقافتهم... رحمه الله وغفر له
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3181 - الإثنين 23 مايو 2011م الموافق 20 جمادى الآخرة 1432هـ