العدد 3181 - الإثنين 23 مايو 2011م الموافق 20 جمادى الآخرة 1432هـ

اليمن… نهاية رئيس

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يكن مفاجئاً تنصل الرئيس علي عبدالله صالح من التوقيع على المبادرة الخليجية لإنهاء الأزمة في اليمن، ولم يكن صعباً تدبير المبررات للتنصل من التوقيع.

كان واضحاً أن الرئيس متمسكٌ بالسلطة إلى آخر يوم، وإلى آخر رجلٍ في القبيلة، وإلى آخر مناورةٍ في لعبة السياسة. فهو يريد أن يكمل ولايته حتى اليوم الأخير، بدعوى التمسك بالديمقراطية والشرعية الدستورية، حتى لو كان أغلبية اليمنيين يملأون ميادين المدن الكبرى، ويصرخون به: ارحل!

المبادرة كانت تهدف إلى توفير مخرج آمن له ولأقاربه، من دون أن يتعرض للمساءلة، فالعروبة تأبى المساءلة. التقاليد والعادات أشد رسوخاً من مبادئ محمد بن عبدالله (ص) الذي صاح بطلاب الشفاعة من أبناء القبيلة: «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»!

المبادرة مرّت بخمسة أطوار، وتعرّضت إلى خمسة تغييرات، لتتوافق مع رغبات الرئيس حتى جاءت في نسختها الأخيرة مفصلةً على مقاسه. ومع نهاية الأسبوع الماضي بدت الأوضاع قد نضجت لتوقيعها، إلا أن مناورات الرئيس أحبطتها. وفوجئ الجمهور يوم الجمعة بإعلان الأحد موعداً جديداً للتوقيع، ووقّعت المعارضة مساء السبت، على أمل أن يوقّعها الرئيس ظهر الأحد، إلا أن حججاً أخرى أخرجها في الساعة الأخيرة، أدت إلى إجهاضها مرةً أخرى.

المعارضة التي ملّت التسويف ولعبة إضاعة الوقت وقبلت بكل التعديلات التي اقترحها القصر، رفضت الذهاب للقصر الجمهوري للتوقيع، فهي قد وقّعت على الوثيقة بحضور الشهود الخليجيين، إلى جانب سفراء واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي. فالرجل كان يريد إضاعة مزيد من الوقت، ولم يكن يتجهّز إلى حوار، أو يفكّر بالتخلي عن السلطة طرفة عين.

بعد ساعات فقط من الانقلاب على المبادرة، أظهر بقية أوراقه المخبأة: حملة شتائم جديدة للمعارضة: خونة وانقلابيين وعملاء (لا ندري لمن؟)؛ تهديد الشعب بالحرب الأهلية «إن لم يتخلّوا عن حماقاتهم» (كما فعل معمّر القذافي). والأسوأ من ذلك اتهام مساعي الخليجيين الذين ألقوا إليه بطوق النجاة، بأنهم ينفذون خطة انقلابية هي الأخرى!

كان رد الفعل الخليجي هادئاً ودبلوماسياً، فأعلن عن تعليق مبادرته، لعدم توافر الظروف الملائمة للحل، علماً بأن بنودها كانت تقضي بتشكيل حكومة مناصفةٍ مع المعارضة، وكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات، ويبقى خلالها رئيساً، ويخرج منها آمناً مكرّماً.

الرئيس صالح الذي ظهر متوتراً طوال ثلاثة أشهر، وظهر خلالها خطيب جمعة ثابتاً، بدا وهو يراكم مزيداً من الأخطاء. وبعد أن ضاق ذرعاً بتغطية «الجزيرة» أخذ يهاجم قطر على رؤوس الأشهاد، فقابلته بمزيد من التغطية والتحريض على الثورة (كانت أخبار اليمن تتقدم النشرات الأخبارية، وبمعدل خمسة على شريط الأخبار). وفي خبطةٍ أخرى أعلنت انسحابها من تأييد المبادرة.

الرئيس الواقع تحت ضغط المطالبة الشعبية الشديدة برحليه، أخذ يشعر بأن الحلقة تضيق عليه، بعد أن بدأ الجميع يتخلون عنه. الأميركيون الذين عمل معهم في حربهم ضد الإرهاب، لم يعودوا يكترثون بتلويحه بخطر القاعدة، وخصوصاً بعد مقتل أسامة بن لادن. والأسوأ أنهم تبنوا مؤخراً موقف معارضيه المطالبين برحيله. وإذا كان ممكناً أن ينسى خذلان الأميركيين، فهو لن ينسى موقف الجيران، الذي بقي يتسوّل منهم الانضمام إليهم عشرين عاماً، وفي الأخير تركوه ليواجه مصيره مثل هاملت، ليلحقوا بلدين آخرين، أحدهما يقع على البحر الميت، والآخر في آخر الدنيا، على أطراف المحيط الأطلسي. هذا ما يقدّمه المحللون النفسيون من تفسيرٍ لغضبه وتوتره وانفلات أعصابه في الأشهر الأخيرة.

حتى الآن قدم اليمنيون 180 شهيداً من أجل التغيير، بالإضافة إلى آلاف الجرحى، وقدّموا نموذجاً رائعاً في الالتزام بالسلمية والصبر على مضض الجراح. ولم يفلح صالح في استدراجهم إلى حربٍ أو قتال، على رغم أنهم يملكون 50 مليون قطعة سلاح، بمعدل ثلاث قطع لكل بيت. بالمقابل، انتهى بالمطاف بأنصاره إلى التظاهر ضد وفد الوساطة الخليجي، ومحاصرته في سفارة الإمارات، بوجود سفراء الكويت والسعودية وعمان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهو ما أصاب وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون بـ «خيبة أمل شديدة»، فطالبته بضرورة الالتزام بتعهداته بالرحيل!

كان الشاعر الإنجليزي وليام شكسبير يتخيّر من الشخصيات المأزومة أبطالاً لمسرحياته التراجيدية التي تزيد على العشرين. كان ذلك في القرن الخامس عشر، فكم مسرحية كان سيكتبها لو بُعث في القرن الحادي والعشرين؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3181 - الإثنين 23 مايو 2011م الموافق 20 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً