في خطابه الأخير للعالم العربي والإسلامي، تأخر الرئيس الأميركي باراك أوباما أربعين دقيقة، واستغرق إلقاؤه خمساً وأربعين دقيقة، في قاعة بنيامين فرانكلين، بالطابق الثامن بوزارة الخارجية.
الرجل شرّق وغرّب، ومن حقّه ذلك، فهو رئيس أكبر دولةٍ مستبدةٍ في التاريخ، نعرفها نحن الشرقيين جيداً، ونتلمس آثار جنازيرها في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين. ولن تغيّر الامبراطورية سلوكها واستراتيجيتها في التعامل مع الشعوب بسبب رئيس طارئ، وهو ما جاء أصلاً إلا للدفاع عن مصالحها ومشروعها العالمي.
في هجومه على معمر القذافي كانت عينه على النفط، وفي هجومه على بشّار الأسد كانت عينه على بؤر المقاومة وأمن «إسرائيل»، أما التوانسة والمصريون فقد وعدهم بمشروع مساعدات وإسقاط ديون. أما فلسطين فليست على البال أو الخاطر. قطعةٌ صغيرةٌ من الأرض، ليس فيها نفطٌ ولا قطنٌ ولا يورانيوم، اللهم إلا اللاجئين. ما قيمة اللاجئين؟ ما قيمة الشعوب الصغيرة؟ هل يمكن أن تتساوى الشعوب والثورات؟ وهل نحن مجبرون على التعاطف مع كل من طالب بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية؟
لقد أخطأ الفلسطينيون عندما أعلنوا المصالحة الوطنية. ويخطئون مرةً أخرى عندما يفكّرون باللجوء إلى الأمم المتحدة لتنصفهم. سنقف لهم بالمرصاد. الحل بأيدينا، ننصف من نشاء، ونقف حجر عثرةٍ بوجه من نريد. نحن العدل والديمقراطية، والآباء المؤسسون، ولا نريد أحداً أن يعلّمنا أصول الديمقراطية وعدم التمييز بين دماء الشعوب.
لابد للفلسطينيين أن يسلّموا بحقائق الأمور. أنا نفسي كنت أعارض سياسة نتنياهو منذ ثلاث سنوات، لكن بعد سقوط حليفنا الديكتاتور حسني مبارك، أصبحت مؤمناً بكل ما يقوله. لقد كان محقاً فعلاً: ليس للفلسطينيين إلا القتل والتهجير، وإعلان «إسرائيل» دولةً يهوديةً خالصة.
ينتقدونني لعدم الإشارة في خطابي إلى دور الوسيط التقليدي، هل يعتقدون أن ذلك كان سهواً؟ ما فائدة المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ لا حوار! لا مفاوضات! ولن نلعب دور الوسيط بعد اليوم. ألم يُضِع مبعوثنا المخضرم جورج ميتشيل ثلاث سنوات من عمره وهو يحاول لعب دور الوسيط النزيه؟ هو نفسه استقال، وأعلن فشله وخيبته قبل ثلاثة أيام.
إنني أعلن مجدّداً التزامي التام بأمن وسلامة «إسرائيل»، ونحن مستعدون لكسر أيدي وأقدام كل من يفكّر بالاقتراب من حدودها الآمنة. وليتذكر كل من يفكّر بالتسلل إلى «إسرائيل»، أن ذهاب الوزير أحمد أبوالغيط لا يعني ذهاب سياسته.
والقدس؟ ماذا يعني القدس؟ هل يوجد شيء حقاً اسمه قدس؟ وماذا يعني حق العودة؟ لا شك أنكم تمزحون! الحق لا تفرضه إلا القوة، والقوة بأيدينا وأيدي «إسرائيل».
نعم، لقد أعلنت أن إدارتي تعتبر الإصلاح أولويةً مع الصديق والعدو، لكن لا يمكن أن تساوي بين حلفائك وأعدائك. هذه ليست سياسة، هذه سخافة لا يؤمن بها غير المجانين. إنها هرطقةٌ وعملٌ مستحيل!
لقد كانت سياستنا منذ ستة عقود، حتى قبل أن أُولد، تقوم على رعاية مصالحنا الاقتصادية، وتأمين تدفق النفط، والوقوف إلى جانب «إسرائيل» في السراء والضراء، في اليسر والعسر، أما السلام وحرية الشعوب وحقوق الإنسان وحرية التظاهر والتعبير عن الرأي والمساواة بين الرجل والمرأة... فكلها شيكات قابلة للصرف بحسب البلد والشعب.
على الفلسطينيين أن يفهموا أن الإجراءات الرمزية لعزل «إسرائيل» في الأمم المتحدة ستبوء بالفشل، وسنتصدى لأية محاولات لعودة اللاجئين، أو الدعوة لإقامة دولةٍ ديمقراطيةٍ متحضرةٍ تحترم فيها حقوق الإنسان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3180 - الأحد 22 مايو 2011م الموافق 19 جمادى الآخرة 1432هـ