لم يكن لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما أكثر مما يخرجه الحاوي من قبعته، فقد فاجأته ثورات «الربيع العربي» كما فاجأت غيره من الرؤساء والحكام!
خطابٌ طويلٌ، ولغةٌ إنشائيةٌ مملةٌ، عجزت عن إقناع الشارع العربي بأنه مناصرٌ للشعوب في تقرير مصيرها ونيل حقوقها والتخلص من أنظمة الدكتاتورية والاستبداد.
قبل عامين تماماً، كان العالم العربي والإسلامي على استعدادٍ لسماع خطابه الأول في جامعة القاهرة. كان رئيساً أسود انتخبه الأميركيون تواً ليفتحوا صفحة جديدة تجبُّ ما قبلها، فأشاعوا بذلك موجةً كبيرةً من الأمل بالتغيير.
أما خطابه الثاني قبل ليلتين، فقد جاء مملاً ومخيِّباً للآمال، وخصوصاً في فلسطين. والأسوأ من ذلك تقمُّص أوباما، بصورةٍ استعراضيةٍ سخيفةٍ، دور الموجِّه والأب الروحي للثورات العربية التي تفجرت في عدة بلدان.
هذه الثورات تفجرت عن واقع بائس جُففت فيه عروق الكرامة العربية، يأتي الرئيس الأميركي ليدلل على أنه لم يستوعب الدرس بعد، فيعد بتقديم مساعدات اقتصادية للنظامين الجديدين في مصر وتونس. وهي سياسة اتبعها الغرب منذ عقود فزادت هذه الأنظمة تبعية وتغرباً، وزادت الشعوب ضياعاً وفقراً.
خمسة وأربعون دقيقة استغرقها العم أوباما وهو يلقي مواعظه وإرشاداته السديدة لشعوب المنطقة، كما لم يبخل على الحكام بتوجيهاته التي ترتقي أحياناً إلى درجة الأوامر. لم يتحدث عن القذافي كثيراً، لأنه أصبح عنده في خبر كان. الأسد عليه أن يقود بنفسه عملية الإصلاح وإلا فليرحل. أما علي صالح فنرجوه أن يفي بوعده بتسليم السلطة إلى نائبه بهدوء، وكفى الله الأميركان شر القتال!
كان واثقاً بنفسه إلى درجةٍ لا تصدق، في خطابٍ بدا مرتجلاً. منطقةٌ لا تحتاج سياستها أصلاً إلى ورقة مكتوبة أو تحضير خطاب. بودي لو أعرف شعوره وهو يلقي ذلك الخطاب. هل كان يشعر بأن شعوب المنطقة كانت تنتظر خطابه بلهفة وشغف، لتتحرك للمطالبة بحقوقها واسترداد كرامتها المسلوبة؟ وهل كان يتوقع أن تصدِّقه هذه الشعوب في دعاواه الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟ هل كان يشعر في داخله بأنه صادقٌ فعلاً، أم تلبَّسته الحالة التي تلبست سلفه بوش، فأعلن يوماً أن الله بعثه لإنقاذ هذه الشعوب؟ ولماذا هذه الازدواجية والتمييز بين حقوق شعب وشعب؟ قبل عامين، حين خطب في جامعة القاهرة، كان وجهاً جديداً على المنطقة، وكان مجيئه للرئاسة حدثاً خارقاً، تخلت فيه الولايات المتحدة عن رعونتها وعنصريتها، لتثبت لنفسها قبل أن تثبت للعالم أنها بلد الديمقراطيات. أما الآن، وبعد أن جرَّبت شعوب المنطقة انتقائيتها وانحيازها وعدم تخليها عن حلفائها الدكتاتوريين إلا ساعة الغرق، فلا ينتظر أوباما من المنطقة أي زغردةٍ أو تصفيق. ولو جاء إلى القاهرة لما وجد نصف المصفقين السابقين، حتى لو وعدهم بإسقاط خمسة مليارات من الديون!
لم ينتخب الأميركيون أوباما لنشر الديمقراطية والعدالة في العالم، ومحاربة الفساد السياسي والاقتصادي والدجل الإعلامي في العالم العربي.
لقد أتوا به للدفاع عن المصالح الاستراتيجية الكبرى للامبراطورية.
لا جديد! طبخةٌ سريعةٌ و «شيف» فاشلٌ في إعداد الأطباق، تبرَّع بتوزيعها بسخاء. فكيف يصدِّقونك وهذا أثر طبخك؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3179 - السبت 21 مايو 2011م الموافق 18 جمادى الآخرة 1432هـ