ذكرتني حادثة حرق الكنيستين الأخيرة في ضاحية إمبابة بالقاهرة بليلة رأس السنة عندما كنت في القاهرة. سمعت وقتها عن تفجير الكنيسة في الإسكندرية، وشهدت الغضب العارم الذي ساد شوارع القاهرة، والتضامن الذي نتج عنه، حيث وقف الرجال والنساء المسلمون حرساً خارج الكنائس يوم 7 يناير/ كانون الثاني عندما احتفل الأقباط بعيد الميلاد.
لم يكن ذلك التضامن بين المسلمين والمسيحيين في مصر قصير الأمد، لكنه كان تعبيراً معمقاً. يعرف كل من كان في ميدان التحرير أثناء الثورة ذلك، ويعرف كل من كان خارج الكنائس، التي هوجمت، أثناء الثورة ذلك أيضاً.
لم يكن هناك أحد خارج الكنائس التي هوجمت أثناء الثورة، لأنه لم يجرِ مهاجمة أية كنيسة. في الوقت الذي ساد فيه انعدام القانون بشكل كامل على الشوارع عندما سحب النِّظام قوات الشرطة، كانت الكنائس آمنة. لو كانت هناك مشاعر عنفية ضد المسيحيين في مصر، لكان ذلك هو الوقت لاستغلالها.
في الأسابيع التي تلت الثورة، كان وزير الداخلية السابق رسميّاً عرضة للتحقيق في عملية التفجير التي وقعت ليلة رأس السنة. كانت التهمة التي أدت إلى التحقيق هي أن وزارته كانت مسئولة عن التفجير بهدف تجميع الدعم للنظام. التحقيق مستمر على رغم أن القرار في محكمة الرأي العام (إن لم يكن النظام القضائي) واضح إلى درجة كبيرة. وهناك ناحية إيجابية لذلك: كان الشعور المعادي للعرقية والطائفية هو ما يشعر به المصريون بوضوح.
كنت آمل وبصدق أن يكون ذلك هو السبيل الذي ستستمر فيه الأمور إلى ما لا نهاية. إلا أنه اتضح في الأيام الأخيرة أن مستقبل مصر لن يكون كذلك، ليس على المدى القصير أو المتوسط على الأقل. لقد أثارت الكنيستان اللتان أحرقتا في إمبابة شبح استمرار العنف الطائفي المبني على الدين.
عندما يعود الأمر إلى الدين والمجال العام، تعتبر جماعة الإخوان المسلمين على الأرجح المجموعة الأكثر تأثيراً في مصر من حيث إدخال الدين إلى أهداف سياسية. يعرف المصريون أن الإخوان المسلمين شجبوا بصدق وبشكل علني تفجيرات إمبابة. ولكن يعلم المصريون كذلك أن جماعة الإخوان المسلمين لم تذهب إلى إمبابة للعمل بشكل مباشر على تهدئة التوترات الطائفية. ربما تتدخل الجماعة في المستقبل بصورة أكبر من خلال الجماهير التي تستطيع إخراجها إلى الشارع. فهذا من المؤكد سيبني الثقة في المجتمع الأوسع للحركة. لم يجب عليها في يوم من الأيام لعب دور بناء الجسور هذا من قبل. ولكن مصر تتطلب اليوم أن يتم ذلك.
تستطيع مصر بالتأكيد من جميع المصريين أن يفعلوا ذلك. في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع المسلم إلى التوقف والنظر بشدة وعمق عما قد يفعله أو لا يفعله بهدف بناء الثقة، ربما تستفيد الجالية المسيحية من إعادة النظر ببعض المواقف اتي اتخذتها أقلية فيها، وخاصة فيما يتعلق بالطبيعة المحلية للجالية المسلمة، بالإضافة إلى التدخّل الأميركي لحل المشكلة الطائفية. لقد كانت هناك بيانات ملتهبة وأعمال عنف صادرة عن المسلمين والمسيحيين، والتي ستحتاج كذلك إلى أن يتم بحثها في بيئات مأمونة في المستقبل، ليس لهدف لعب لعبة إلقاء اللوم، وإنما لإرساء قواعد الحقائق على خلفية يعارض فيها غالبية المصريين الطائفية، ويريدون مستقبلاً يشعر فيه جميع المواطنين بأنهم من مصر، وليسوا عناصر خارجية أو غربية من نوع أو آخر.
هناك الكثيرون في مصر الآن ممن يشكّون في أن الأمر ليس هكذا لبعض المسلمين والمسيحيين، ويجب وضع حد لهذه الشكوك بشكل نهائي. تستحق مصر الجديدة وتتطلب وتطالب بما لا يقل عن ذلك.
وحدة المصريين أقوى بكثير من قوى التفرقة، والشعور بالوطنية المصرية يشكل تياراً رئيساً أكثر من الشعور بالطائفية المصرية.
يستطيع المصريون تجفيف المستنقع، ويستطيعون إزالة الوقود الذي تستخدمه القوى الخلافية. يجري تذكير المصريين مرة بعد أخرى أن ميدان التحرير أخرج ما يعنيه كون الإنسان مصريّاً. يجب على جميع المصريين اليوم أن يبحثوا عن الأفضل في داخلهم، وأن يواجهوا معاً الأسوأ، وأن يدحروه
العدد 3179 - السبت 21 مايو 2011م الموافق 18 جمادى الآخرة 1432هـ