لم تكن من أهل البيت النبوي الشريف، لكن أتباع هذا البيت يحتفلون بمولدها في السابع من رجب، ويحيون ذكرى وفاتها في الثالث عشر من جمادى الآخرة من كل عام.
اشتهرت بـ «أم البنين»، واسمها فاطمة بنت حزام، وأمها ثمامة بنت سهل، من قبيلة بني كلاب، التي اشتهرت بالشجاعة والفروسية والبأس. التواريخ المتعلقة بحياتها فيها الكثير من الغموض، ويصعب الوقوف منها على يقين، لكن أشهر الروايات أنها وُلدت في السنة الخامسة للهجرة، وتزوّجها الإمام علي (ع) عام 26 هـ ولها من العمر تسعة عشر عاماً. كان يبحث عن امرأة من منبت خير، تلد الأبطال، فدلّه أخوه عقيل، العالم بالأنساب، على هذه السيدة التي ولدتها الفحولة من العرب.
قبل أن يتقدّم إليها، حدّثت أمَّها بما رأته في عالم الرؤيا، من أن قمراً وأربعة أنجمٍ زُهرٍ سقطت في حضنها من السماء، فأوّلت أمّها الحلم بزواجها من رجلٍ جليل القدر، تلد له أربعة فرسان. ولما طلبها عقيلٌ ردّ أبوها بقوله: «رضينا بأن تكون خادمةً لعلي»، فردّ عليه: «لا تقل خادمة بل زوجة». كان رجلاً يقرأ المستقبل، فتوقّع أن تكون هذه الزيجة طريق الأسرة للمجد والسؤدد والخلود في التاريخ.
كان عليها في بيت الزوجية الجديد، أن ترعى أبناء الزهراء (الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم)، وأبناءها القادمين (العباس وعون وجعفر وعثمان). سيغيب من هؤلاء الثمانية الحسن مسموماً، وسيقضي الحسين شهيداً، إلى جوار فرسانها الأربعة، أما زينب وأم كلثوم فستكونان على رأس قافلة الأسرى من بيت آل محمد (ص)، التي ستقطع ألفي كيلومتر ذهاباً وإياباً.
في غير يومَي المولد والوفاة، يتردّد ذكرها في يومين آخرين: في السابع من المحرّم من كل عام، المخصّص لاستذكار بطولة ومآثر ابنها العباس (ع) يوم الطف؛ وفي يوم العشرين من صفر، ذكرى رجوع قافلة السبايا من الشام، حيث يستذكر النعاة تفاصيل العودة إلى كربلاء أو المدينة المنورة. وفي المشهدين تكون أم البنين الحاضر الغائب بكل جلالها الذي يملأ النفوس.
في يوم العودة، وحينما صاح الشاعر بشر بن حذلم بأبياته الناعية على مشارف المدينة، تسللت من بين الجموع امرأةٌ شارفت على الستين، وهي تحمل طفلاً، لتسأل عن مصير الأحبة الغائبين. أراد بشر أن يواسيها ويخفّف عنها وقع المصاب بذكر الأصغر فالأكبر سناً، حتى أتى على ذكر الحسين، حينها بدأت بالتفجع والعويل.
كانت شاعرةً فصيحةً، تحفظ لنا السيرة بعض أبياتها، التي تنم عن تفجّعٍ وحزنٍ كبير، يمتزج بالكثير من الفخر والعزة وهي تندب فرسانها:
لا تَدعونِّي ويكِ أمّ البنين
تذكّريني بليوث العَرين
كان بنون لي أدعى بهم
واليوم أصبحتُ ولا من بنين
وتخاطب أكبرهم المعروف بقمر الهاشميين وحامل اللواء، قائلةً:
«لو كان سيفُكَ في يديك... لما دنا منك أحد».
وهي حقيقةٌ يؤكدها التاريخ، فحين أدخلت الرايات على يزيد بن معاوية في قصره بالشام، التفت إلى رايةٍ ممزّقةٍ من كثرة الضراب، إلا من جهة المقبض، فسأل عن صاحبها فقيل له العباس، فنهض من مكانه وجلس ثلاث مرات... لما سيطر عليه من شعور.
في الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة 64 هجرية، أتاها داعي الموت لتلتحق بالرفيق الأعلى. تقول إحدى الروايات إن الفضل بن العباس بن علي دخل على الإمام عليّ بن الحسين (ع)، وكان يوم جمعة، وهو باكٍ حزين، يبلغه بوفاتها: «لقد ماتتْ جَدّتي أمُّ البنين».
ماتت السيدة الفاضلة، وبقيت ذكراها في قلوب الملايين، يحتفلون بميلادها ووفاتها كل عام. يحفظون تفاصيل حياتها، وتعمر ذاكرة أطفالهم وشيوخهم تلك الصور من حياتها، تعيش معهم، وتتغلغل مشاعر حبها في وجدانهم. ينذر الشاب لله حباً بها وهو على أبواب التخرج، وتقدّمه الفتاة على أبواب الزواج، والنساء الراغبات بالذرية الصالحة، وأكثرهن ارتباطاً بها وتعلقاً بها، أمهات الشهداء وزوجات السجناء. إنها سيدةٌ لم تمت، بل مازالت تعيش في قلوب المحبين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3177 - الخميس 19 مايو 2011م الموافق 16 جمادى الآخرة 1432هـ