العدد 3176 - الأربعاء 18 مايو 2011م الموافق 15 جمادى الآخرة 1432هـ

مقال ليس للترضية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقيني أحدهم مُعنـِّفاً إياي. تعنيفه قائم على احتجاج. واحتجاجه مبنيٌّ على نقد لمقال كتبته قبل أسبوع بشأن سلبية تعامل الأزواج مع زوجاتهم، وخصوصاً العاملات منهُنْ. ما كان يقوله ذلك الأخ في عُمومه هو أن شكاية المرأة من حَيْفِ الرجل عليها تكاد لا تنتهي. ولو أن الرجل أغرقها بالحلِي من رأسها حتى أخمص قدميها فإنها لن تقول ما يُفيد الشكر.

هنا، لا أودُّ أن أختصر قول ذلك الأخ وشكواه وعتبه في جُملة واحدة لكي لا أظلمه في النقل، لكنني أيضاً لا أريد أن أسرف في سرد ما قاله؛ لأن ثلثي حديثه كان في أمور أعتقد بأنها لا تصمد أمام كبائر الأشياء التي تكتنف الحياة الزوجية، فضلاً عن عدم توصلنا إلى وضع إجابة لائقة على تساؤل لي مشروع بشأن: ماذا أعطيتَ زوجتك لكي تلقاها غير شاكِرة لك؟

في كل الأحوال فإن مشكلة الحياة هي تعلم السيطرة على الرعب، ومشكلة الحياة الزوجية هي في تعلم السيطرة على الضَّجَر كما تقول حكمة الأدب الإسباني. ضَجَرٌ يُولده إحساس دائم لدى الرجل بأنه فعَلَ ويفعل ما يُتوَجَّب عليه فعله في بيته، وإحساس آخر لدى المرأة بأنها لو تخرق الأرض للرجل فإن الملامَة ستلاحقها مهما فعلت، فضلاً عن غياب التقدير لها.

هنا أستحضر ما قاله الحكيم الصيني الكبير كونفوشيوس قبل 1460 عاماً عندما قال: «فليَقم الأميرُ بدوره كأمير، والتابع كتابع، وليقم الأب بدوره كأب، والابن كابن». بمعني أن الكلمة السحرية في الأمر هي في «الاهتمام». كل الذين يُوْلون اهتماماً بغذائهم وأجسامهم سيحظون بصحة جيدة. وكل الذين يمنحون دراستهم وقتاً إضافياً سيلقون نجاحاً ودرجات عالية. وأيضاً كل الذين يقومون بمسئولياتهم في بيوتهم سيعيشون حياة زوجية جيدة.

في ظل الأوضاع الحالية للبيوتات الزوجية فإن الأمور باتت مختلفة؛ فالرجل والمرأة باتا يعملان بالتساوي، ولم يعد للزوج منـَّة على المرأة في أنه يعمل، فهو يخرج من الصباح إلى عمله والزوجة كذلك. وهو يأتي منهوكاً من عمله والمرأة كذلك. لذا فمن غير المعقول أن يستنتج الرجال خلاصة جديدة لحياتهم. بل عليهم أن يُوسِّعوا عيونهم قليلاً ليروا أموراً أخرى تقوم بها المرأة (بالإضافة إلى عملها الرسمي) هم يعجزون عن القيام بها حتماً من تربية وطبخ ورعاية منزلية شاملة.

لو قسَّمنا ساعات اليوم على شواغل النساء ماذا سنجد؟! ثماني ساعات للعمل اليومي. ساعة لإعداد طعام الظهيرة. وثلاث ساعات للاهتمام بشئون الأبناء المدرسية. وثلاث ساعات لأعمال البيت الأخرى. بمعنى أنها تعمل أربعة عشرة ساعة في اليوم بالضبط كما يعمل اليابانيون! في الوقت الذي يمنح الرجل نفسه فرصة النوم في الظهيرة، وتالياً فسحة الخروج مع الأصدقاء في المقاهي، أو الجلوس على النت أو مشاهدة التلفزيون أو الحديث في الهاتف.

لكن وعلى رغم أن تلك حقيقة لا تغيب عن أي مُنصف فإن تلك الحياة باعتقادي هي أقرب إلى الموت المؤجل في كل حين بالنسبة للمرأة، فذلك الحال لا يعدو كونه جريٌ من النساء على نَيل المُحَال، لأنها بذلك تذِيبُ نفسها من أجل الظفر بأشياء، في الوقت نفسه الذي يجعلها تخسر شيئين كبيرين ربما يكونان أهم، أحدهما ذاتي، والآخر حياتي. باختصار ستفقد الزوجة صحتها وزوجها الذي سيجد نفسه خارج معادلة الاهتمام والتغطية في بيته.

الحل باعتقادي، هو شراء الأمرَيْن معاً؛ أن تشتري الزوجة عافيتها وراحتها عبر إيكال الجهد العضلي المنزلي بكامله على مُعِينة تستقدمها بأجر. وأن تتخفف من الاهتمامات الأخرى ما أمكن لتمنحها زوجها. في الأمر الأول، فإن المال وُجدَ لكي يخدم صاحبه. وفي الأمر الثاني، فإن الزوج يعيش في بيته لكي يحس بأنه زوج حقيقي لا مُشاهداً لورشة من المحاضرات التربوية وفنون الطبخ. أقول هذا ليس ترضية للرجال على النساء أو العكس وإنما إعادة الاعتبار لكلمة «الاهتمام» التي ستمنح الجميع فرصة العيش كما يجب

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3176 - الأربعاء 18 مايو 2011م الموافق 15 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً