العدد 3176 - الأربعاء 18 مايو 2011م الموافق 15 جمادى الآخرة 1432هـ

عودة قلعة العروبة وكنانة الإسلام

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل ثلاثة أيام، نشرت صحيفة «الشروق» خبراً عن نية الرئيس السابق حسني مبارك تسجيل شريط يعتذر فيه للشعب المصري، ويدغدغ فيه المشاعر من أجل طلب العفو!

قبل سقوطه بأيام، قرأ مبارك خطاباً كتبه أحد صحافيي الخردة، وأعلن فيه تمسكه بمنصبه حتى الرمق الأخير، وتمنّى أن يموت ويُدفن في تراب مصر. وذكّر المصريين بالحدوتة المملة، من أنه خدم في جيش مصر خمسين عاماً (وهي فضيلةٌ يشاركه فيها ملايين المجندين)، وبالتالي لا يجوز أن يُحاسَب أو يُساءَل مهما قصّر أو أجرم أو أساء. والأدهى أنه توعّد من اتهموه بالفساد بالملاحقة القضائية!

في السيناريو الجديد، كان سيكرّر نفس المعزوفة، ويضيف عليها بعض البهارات العاطفية التي تسيل بعض الدموع، فهو رجلٌ عجوزٌ، مصابٌ بألف علة، ولم يعد قلبه يحتمل مثل هذه البهدلات، مع انه كان يتمتع قبل شهرين فقط بكامل الأهلية والعنفوان للتحكم برقاب ثمانين مليون مصري، يتلاعب بمصائرهم كيف يشاء. ولم يضعف قلبه عن إصدار أوامر بمهاجمة شباب مصر بالميادين، وتسليط البلطجية عليهم يوسعونهم ضرباً بالعصي والرصاص، ويُغِيرون عليهم على ظهور الجِمال.

كان واضحاً أن ما نشرته «الشروق» مجرد تسريب من المجلس العسكري الحاكم، لجس النبض، ليقرّر بعدها المضي في هذا السيناريو أم يعلن وقوفه مجدّداً إلى جانب جماهير الشعب المصري، وتحقيق أهداف الثورة والشباب.

ردود الفعل كانت غاضبة بما فاق التوقعات، فقد بدأ سيلٌ هادرٌ من التذمر بين الناس، وفي الصحف والقنوات... أما «الفيسبوك» فكان أسخن الجبهات، إذ اعتبر ذلك إهانةً لنضال أمّة دفعت الدم في سبيل إزاحة رئيس أذلها وأفسد حياتها على مدى ثلاثين عاماً.

«اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة» أصدرت بياناً حذّرت فيه من عواقب هذه المناورة، وأكدت رفضها القاطع لكافة أشكال الخداع التي تقودها بعض القوى الحليفة للنظام السابق. وأضافت «إننا لم ولن نفوّض أحداً في العفو عن هؤلاء المجرمين... الملوثة أيديهم بدماء الشعب، ونرفض أي اعتذار، أو مصالحة». وطالبت بتقديم رموز الحكم السابق أمام محكمة عادلة «حتى يكونوا عبرةً لكل من يحكم مصر من بعد». وهي لغةٌ تنم عن معرفة عميقة بتاريخ مصر التي تناوب على حكمها أشكالٌ وألوانٌ من المستبدين الطغاة.

المجلس العسكري سارع صبيحة أمس (الأربعاء) إلى نفي ما نشر عن مبادرة العفو عن مبارك، على صفحته على موقع «الفيسبوك»، وحذّر من «الأخبار والشائعات المغرضة»! فعملية جس النبض ارتدّت على أصحابها غضباً عارماً، وخصوصاً بعد إطلاق سراح زوجته سوزان ثابت، مقابل تنازلها عن فيللا و24 مليون جنيه فقط وإعادتها للشعب المصري (وهو جزءٌ تافهٌ من ثروتها البالغة خمسة مليارات دولار بحسب «الخبر» الجزائرية). والأغرب قيام جهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل بإخلاء ذمتها مباشرةً من أي كسب غير مشروع!

الخطوة الأخيرة كانت استفزازية بما فيه الكفاية لتثير جدلاً واسعاً، من شأنه الدفع بالثورة إلى مزيد من التشدّد والتطهّر والإصرار على ملاحقة كل من سرق أو تلاعب أو أساء. كما لم يتوقف النقاش عند حدود السياسة، بل وصل إلى طرح عمليات الإفساد الأخلاقي والسياسي والإعلامي، وغسيل الأموال وشراء الذمم وتزوير الانتخابات، وخصخصة الاقتصاد على حساب مصر ومصالح شعبها.

مؤسسات المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان كانوا من أكثر المعارضين لفكرة «الإفلات من العقاب»، فهي تبرئ عشرات الأشخاص من تبعة أعمالهم، بينما تفرّط في حقوق ثمانين مليوناً، وعدم الاكتراث بمصالحهم أو التأسيس لمستقبل أفضل. وما يحصل في جوهره صراعٌ لترسيخ فكرة «لا أحد فوق القانون»، في مواجهة من عاشوا ثلاثين عاماً فوق القانون، ويريدون القفز عليه الآن بالدجل والفذلكات.

المعادلة نفسها مخالفةٌ للقانون والمنطق والشرع والعقل، فمن الصعب تسويق عفوٍ لشخص كان قبل شهرين يصدر الأوامر بالقتل، حيث أودت بحياة المئات، وجرح وإعاقة الآلاف، وفقدان البصر لثلاثة آلاف شاب. أما السجناء الذي عمرت بهم السجون طوال ثلاثة عقود، فمعاناتهم وعذاباتهم تجلّ عن الوصف، ولن تنصفهم كلّ محاكم الدنيا، ولن يجدوا عدلاً إلا في السماء.

إن مصر تقود ثورة التغيير في العالم العربي، بعد أن استعادت كرامتها وشبابها وحيويتها، وتسعى لاستعادة دورها ومكانتها اللائقة في العالم. وبعد ثلاثين عاماً من الموت السريري عاد النبض إلى قلب مصر، قلعة العروبة وكنانة الإسلام

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3176 - الأربعاء 18 مايو 2011م الموافق 15 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً