هو صندوق لبيع الخضراوات الطازجة في جزيرة جيرسي البريطانية، والعجيب في أمر هذا الصندوق، أنّ الناس تحاسب نفسها بنفسها، وتضع المبلغ في هذا الصندوق الصغير من أجل شراء كيلو من البطاطا الطازجة أو الطماطم وغيرها من الخضراوات، من دون وجود رقيب أو حسيب أو حتى كاميرا للمراقبة.
يا تُرى كم قرن سنحتاج نحن العرب، حتى نستطيع وضع مثل هذا الصندوق، من دون أن يسرق أحدهم المال، ومن دون رقابة آلية أو بشرية؟! لا أعتقد بأننا سنستطيع في هذه السنوات أن نحصل على مثل هذا الصندوق، بل حتى على مدى قرن، إذ إنّ الإخلاص والأمانة أصبحا مصطلحين مهمّشين في العالم العربي!
حتى نحصل على هذا الصندوق، يجب علينا أوّلاً تعليم الأجيال الجديدة بمصطلح الرضا والقناعة، وكذلك غرس قيم انقرضت منّا، كمراقبة النفس ومحاسبتها على كل خطوة تخطوها، فالغرض ليس الصندوق بل الغرض هو إدخال الأخلاق الحسنة التي تذهب عنّا يوماً بعد يوم.
مجتمعاتنا العربية بات مسمّاها «مجتمعات العالم الثالث»، وهو مصطلح أُطلق في بدايات القرن الماضي على المجتمعات المتخلّفة، ومع أنّ التكنولوجيا في مجتمعاتنا العربية وخاصة الخليجية متطوّرة جدّاً، إلا أننا نعاني من التخلّف في أمور كثيرة.
فالأفراد والجماعات ما زال يسيطر عليهم التضليل من قبل البعض، والتأجيج من قبل البعض الآخر، سواء التأجيج الطائفي أو القبلي المتعصّب، وما زالت المؤسّسة الدينية تفرض توجّهاتها، وتدين الآخرين، وتسيطر على العقول بطريقة سوداوية، سواء شئنا أم أبينا.
فالحرّية والديمقراطية لا تنفعان مع مجتمعات كمجتمعاتنا، إذ إنّنا لا نعرف تذوّق طعم الحرّية، وإن حصلنا عليها أسأنا استخدامها، والدليل على ذلك ظروف كثيرة تعيشها مجتمعاتنا.
وكذلك نجد أنّنا إلى الآن مجتمع متلقٍّ وليس مُعطياً، أي لا نستطيع صناعة فرشاة الأسنان حتى، بل نستوردها من الخارج، وأيضاً لم نستطع صناعة السيارات وإن كانت هناك محاولات في بعض الدول النامية المشابهة لوضعنا!
علاوة على ذلك نجد أنّ الفكر مضمحلّ وسطحيّ، ليس له متانة كالسابق، إذ ابتعدنا عن القراءة وعن الابتكار منذ انتهاء فترة العصور الذهبية للعرب، ولن نستطيع تجديد المجد والحصول على كل ما ذُكِر آنفاً، إلا عن طريق تعديل الفكر وتهذيبه.
ما زلنا نعيش في حلم «كنّا» الذي لا نستطيع الابتعاد عنه، وليس لنا طموح في الابتكار والإبداع، إلا ما توجّهنا له الدولة، أي دولة، ولن نرتقي ما دمنا عبيد أفكار جاهلية زُرِعت في عقولنا.
صندوق الأمانة ليس مجرّد صندوق لبيع الخضراوات، بل هو أعمق من ذلك، يدل على رقي الحضارة التي يعيشها الغرب، والتي مُسحت من قاموس العرب، فهل نرد للعرب هذا القاموس مرّة أخرى، بعد حالة الإغماء الفكري الذي يعيشونه؟
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 3176 - الأربعاء 18 مايو 2011م الموافق 15 جمادى الآخرة 1432هـ