الثورات العربية التي ادهشت وفاجأت الجميع أسقطت الكثير من المقولات والتفكير المُسبق بشأن العرب والتغيير في العالم العربي. كما تحدَّت هذه الثورات مقاربات كثيرة للاعبين كثر في المنطقة، بمن فيهم القاعدة وتنظيمات العنف الذين تعرضت أيديولوجياتهم للتقويض الكلي بسبب هذه الأحداث الأخيرة.
قد يلعب موت أسامة بن لادن دوراً بعدُ في زعزعة استقرار القاعدة، إلا أن الثورات العربية سبق ودمّرت الأطروحات المركزية التي اعتمدت عليها القاعدة في العقد ونصف الماضيين وبشكل كبير.
الأولى هي أن تغيير الأنظمة العربية الفاسدة لن يتم إلا عن طريق العنف. لم تؤد هذه الاستراتيجية إلى أي نجاح في أي بلد من البلدان العربية التي عاشت الاحتجاجات. بل حدث العكس تماماً، حيث إن حركة الشعب السلمية وغير المسلحة هي التي تمكنت من إسقاط نظامين من أقوى الأنظمة الأمنية في العالم العربي، في تونس ومصر.
الأطروحة القاعدية الثانية التي أسقطتها الثورات العربية هي أن استثمار الإعلام المعولم وجلب انتباهه لا يتم إلا عبر القيام بعمليات إرهابية ضخمة وذات نتائج تدميرية هائلة. فبسبب ضخامة حجم العمليات الإرهابية ومستويات التدمير فيها فإن الإعلام سيضطر إلى تغطية كل ما له علاقة بالقاعدة، بما في ذلك الايديولوجيا والتسويغ الديني المنحرف لتبرير قتل المدنيين.
أما الثورات العربية، فقد تمكّنت في المقابل من جذب الإعلام المعولم وكسبه إلى جانب الاحتجاجات السلمية، والأهم من ذلك أن هذه الثورات قلبت الصورة البشعة التي قدمها الإرهاب القاعدي عن العرب والمسلمين في السنوات الاخيرة، وقدّم بدلاً منها صورة رائعة لشباب منظم بالغ الكفاءة والتعليم ملتزم بالأعمال اللاعنفية لخلق التغيير الإيجابي.
الأطروحة القاعدية الثالثة هي الزعم بالتحدث نيابة عن الشعوب العربية والمسلمة المقهورة والمقموعة. إلا أن الثورات العربية أظهرت أن أهداف القاعدة لا علاقة لها ومنقطعة عما تتطلع إليه الغالبية في العالم العربي. فالشعارات والمطالبات التي قادها شبان هذه الثورات تمركزت حول الحرية والكرامة والديمقراطية، وهم لا يطالبون بإقامة دول إسلامية على ما تريد القاعدة، ولا تطبيق الشريعة، ولا شن الحرب على الغرب.
لقد اتسع نطاق المشاركة الشعبية في الثورات العربية وشملت كل الشرائح وكل الأطياف السياسية والدينية. اصطف العلمانيون إلى جانب شبان الإخوان المسلمين في ميدان التحرير، واصطفت الشابات اللواتي يرتدين الجينز إلى جانب الشابات المحجبات، وإلى جانبهم المسيحيون واليساريون والتقليديون.
الأطروحة الرابعة التي تقدمها القاعدة هي أطروحة «الفسطاطين»: فسطاط الخير وفسطاط الشر، أي تقسيم العالم إلى أخيار وإلى أشرار، القاعدة وأمثالها هم الأخيار، فيما يكون الآخرون - مسلمين وغير مسلمين - هم الأشرار. وهي للمفارقة الكبيرة الوجه الآخر لأطروحة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن عندما قسم العالم إلى من هم معنا ومن هم ضدنا.
الثورات العربية خلطت الأوراق وأظهرت أنه ليس من الضروري أن يكون العالم موزعاً في هذين الفسطاطين. فقد وقف الإعلام الغربي في غالبية الأحيان إلى جانب المحتجّين العرب والمسلمين، وكانت المواقف الشعبية والنخبوية في العالم العربي، وحتى القادة السياسيون في الغرب، مع هذه الثورات.
يتم إسقاط أهم الأطروحات المركزية التي تأسست عليها القاعدة عبر السنوات الماضية. ولعلّه من الممكن أن تكون بداية النهاية للقاعدة قد بدأت
إقرأ أيضا لـ "خالد الحروب"العدد 3175 - الثلثاء 17 مايو 2011م الموافق 14 جمادى الآخرة 1432هـ