في لقاء أجريته مع الروائي العربي الكبير حنا مينا، نشر في الزميلة «البيان»، أشار إلى قضية في غاية الأهمية، وهي «أن عدداً كبيراً من الروائيين العرب لم يتجاوزا أمكنة مستهلكة في بنية العمل الروائي. (المدينة... الريف) هناك أمكنة مازالت بكراً على الروائي العربي أن يقتحمها إذا كان يتطلع إلى عمل روائي لا يشبه غيره. هناك الغابة... البحر... الجبل... الخ... هذه الأمكنة وبما يتركه الروائي من أثر على «أنسنتها» ستعطي العمل الروائي شكلاً ومضموناً سيصدم القارئ العربي والصدمة هنا بما تخلفه من «إدهاش»... لا بما تتطلبه من «إنعاش». ذلك في الرواية.
ماذا عن الشعر؟ نحن نلمس هنا ظاهرة تكررت وانحصرت في البعد الوجداني... قصائد الغزل جعلت شعرنا الشعبي يغرق في بحر «الغرض الواحد»، وكأن الشعر بذلك يمارس ما مارسته الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي سابقاً. ثورة الحزب الواحد والرجل الواحد والنظرية الواحدة. هذا الكلام يدفعنا إلى تلمس مواطن هذه الإشكالية، لأن ما يحدث الآن يشير إلى تكريس حال عامة في الذائقة المتلقية وهي «أسبقية التصور» الذي تحمله الذائقة عن أي مطبوعة تهتم بهذا الضرب من الشعر دون أن تتصفح محتوياتها.
الغالب في الشعر أن يكون هناك، قمر، جرح، ليل، صد؛ لذا حين يتجاوز أحدهم هذا التوجه ويخرج عليه يتم التعامل معه - مع النص – بما يشبه «لقد ارتقيت مرتقى عظيماً» لا نقول إن الذائقة الواعية لا تتطلع إلى هذا النوع من التوجه والخروج. هذا الأمر متاح وقد تكون الحفاوة لائقة بنص لم يبتدع هو فقط أعاد الاعتبار لتنوع الرؤية وثرائها وغناها. مارس نوعاً من إيقاظ ذلك التنوع والرؤية عبر نص أنجزه.
من الظلم بمكان أن «نحشر» الطاقة التي يمتلكها شعرنا الشعبي ضمن هذا التوجه الأحادي. نحن بتكويننا النفسي والتاريخي والأيديولوجي «سادة حب»... لا إشكال في ذلك. الإشكال يكمن في فهمنا لذلك الحب. فهمنا النصي لا الشعوري. للطاقة التي يحملها ذلك المفهوم. العالم من حولنا يمر بتحولات على مختلف الأصعدة. هذه المنطقة من العالم تتعرض لمحاولات احتواء عديدة. هذا الجزء من العالم يغص بإشكالات لا حصر لها... باختراقات... بتجاوزات... هل نملك شجاعة التأمل فيما يدور من حولنا، وبالتالي نخرج بشعر يكون شاهدا على المرحلة من زواياها المختلفة... لا ان يكون شاهداً على القلب... أم سيظل كل منا يغني ليلاه؟
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3175 - الثلثاء 17 مايو 2011م الموافق 14 جمادى الآخرة 1432هـ