عبدالله الصيخان... آثم من لم يعرف هذا الرجل... كأن تكون من قاطني «جيكور» ولا تعرف السياب. نعم هكذا بكل بساطة.

أول ما التقيته في العام 1988 بمهرجان الشعر الأول لدول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في العاصمة السعودية (الرياض) وتحديداً بفندق قصر الرياض. أحمد راشد ثاني، جابر المنصوري، وكاتب هذه السطور كنا ممثلين لدولة الإمارات في المهرجان. لم أحظ بفرصة التحدث إليه طويلاً، فمن أبسط الأمور وأغربها في ذلك المهرجان اختفاء البشر من حولك في لمح البصر. أن تكون كتفاً لكتف مع أحد الزملاء، وفجأة يتسلل منك دون أن تشعر، كان الصيخان أحدهم، وأحمد راشد ثاني لا يقل عنه موهبة.

ليس سهلاً أن تستوعب رجلاً برأس الصيخان في فترة وجيزة كتلك لكنك لا تخلو من الإمساك بطرف ملمح من ملامحه. أن تعيد حضوره في ذاكرتك بطريقتك الخاصة. تقوم بعملية صوغ أو إعادة صوغ لذلك الحضور. تستدعيه من زوايا مختلفة. إذا رأيت الصيخان في عجلة من أمره، فثق أنه ذاهب إلى تفقد فتنِه وبعض فتن الآخرين؛ ولكنك تجده باستمرار على تلك الحال. هذا يعني أنه وقع على كنز أو منجم من فتن لا تستوعبها «عقارب» الزمن ولا حتى «ثعابينه»!

صحيح أن محمد جبر الحربي يحضرني كلما تذكرت الصيخان، لكنني أجد الصيخان أقرب إليَّ. الحربي جار لا تلقي عليه التحية ولا تداعب أطفاله إلا في العيدين! على رغم أنه جار في منتهى الأدب والخجل. رائع في مراعاته لك. متميز في هدوئه وصمته حتى لتكاد من هول ذلك الهدوء والصمت، تشك في أن كارثة ما حلت بجارك. تقرِّب أذنك إلى الحائط. تصيخ السمع وكأن لا أثر يدل على حياة.

من أهم ما يميز الصيخان اعتقاده - الذي تحول إلى أبعد من الحقيقة - بأنه التقى البشر جميعاً. لا أحد لم ينل مصافحة منه؛ لذلك فهو يلغي انفعالات وطقوس اللقاء الأول، فقد سبق في يقينه أنه التقاك... حادثك؛ أو ربما شاكسك، لذا تراه على الطبيعة وفي يقينه أيضاً أنك ستقوم بتلك الانفعالات والطقوس نيابة عنه. يختبر يقينه بيقين انفعالاتك وطقوسك وكأنك تؤكد ذلك بشكل عملي.

مازلت «أصيخ» السمع لـ «الصيخان»... أقرأ نصه الذي لم يفتر بعد من نار التوتر والقلق. أقرأ نصه طازجاً كطفل في اليوم الأول للمدرسة يصر على حمل حقيبة مليئة بالأقلام والدفاتر وربما الكتب كدليل أول على خروجه من أول العتمة