تابعنا في الأسبوع الماضي ما جرى بحثه بين وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي ورئيس جامعة البحرين إبراهيم جناحي، ومسئولين كبار بمعهد التعليم في لندن ومنظمة اليونسكو.
فقد أشار الخبر الرسمي والمنشور بالصحافة المحلية يوم الإثنين 9 مايو/ أيار 2011م إلى أن اللقاء كان بقصد الاتفاق على خطة عمل للتَّعاون في مجال التربية على قيم العيش المشترك، وتدريب العاملين في الميدان التربوي على تنمية هذه القيم في سياقاتها التربوية المناسبة إلى مملكة البحرين وبيئتها وثقافتها وتقاليدها الاجتماعية، لما لمعهد التعليم من سمعة عالمية متميزة في مجال البحث العلمي، باعتباره من أضخم المعاهد البحثية المختصة بالدراسات والبحوث الاجتماعية في المملكة المتحدة، وإحدى الكليات التابعة إلى جامعة لندن.
أما الاجتماع بالمدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إيرينا بوكوفا، فقد تركز على التنسيق بين وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين، والجهات المختصة بمنظمة اليونسكو لتقديم المزيد من الدعم التربوي والتخصصي لتعزيز الجهود المبذولة من الوزارة والجامعة في مجال التربية للمواطنة وحقوق الإنسان والتعايش والتسامح وتنمية المهارات الحياتية لتعزيز الوحدة الوطنية. (وكالة أنباء البحرين/ بنا 13 مايو 2011).
لسنا بالطبع، في الحقل التربوي ضد أي توجه من شأنه تعزيز قيم المواطنة وحقوق الإنسان، والقائمة أساساً على الفهم الصحيح للتربية على قيم العيش المشترك، والقبول بالآخر.
كما لا أخفيكم سرّاً أن هذا التوجه ـ لربما كان أحد أسباب هذه الزيارات ـ قد أثبت عمليّاً فعاليته منذ أمد بعيد في المجتمعات الغربية التي تضمن للمتعلمين بيئة تعليمية صحية وإنسانية تسمو بمفردات العيش المشترك واحترام حقوق الأقليات ومبادئ حقوق الإنسان، لأننا في العالم العربي لا نعاني من نقص في الأدبيات أو على مستوى التنظير، ولكن الخلل يتمثل في التطبيق والممارسات، التي أساءت كثيراً للمفاهيم القرآنية التي تؤكد أهمية العيش المشترك كما في قوله تعالى: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». (الحجرات : 13)، فبقدر العيش المشترك والقبول بالتنوع الموجود داخل مجتمعاتنا المركبة تنفتح أمامنا آفاق الحرية والحركة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وغيرها من العناوين.
ربما يدرك الكثيرون منا أن المدارس أوالجامعات البريطانية مثلاً تضم البيض والسود، والهنود والصينيين والمهاجرين من العرب والآسيويين وغيرهم، وكل ذلك بعيداً عن أي تمييز يمارس ضد الطلبة على أساس اللون أو الجنس أو العرق أو الطائفة وما إلى ذلك.
نعم، « العيش المشترك « قدرنا، فمدارسنا وجامعاتنا تضم تنوعاً فسيفسائيّاً جميلاً، وهو قدر محتوم واستراتيجي، وليس تكتيكيّاً ليقبل به البعض اليوم ليرفضه في الغد، كما كان يفكر لينين في بدايات الثورة الروسية، عندما وظَّف مفهوم «التعايش السلمي» لوقف هجماته العسكرية الشاملة لفترة مؤقتة واستئنافها مرة أخرى، والتي كان يستهدف من خلالها الجبهة المضادة للمد الشيوعي.
عندما نقرأ تقرير اللجنة الدولية المختصة بالتربية للقرن الحادي والعشرين عن التعليم نجده يصمم مخطط الأعمدة الأربعة للتعليم بشكل تعترف فيه بأن التعلم «للعيش المشترك» هو التحدي المركزي الذي يحتم على الدول مضاعفة الجهود لمواجهته.
نؤمن بأن التربية على العيش المشترك والتسامح واحترام الآخرين إنما هي مفاهيم سامية لابد من تعزيزها بدءاً من مرحلة رياض الأطفال، وذلك يتطلب إخضاع الكادرين التعليمي والإداري لدورات تدريبية لتنمية الوعي بهذه المفاهيم التي أضحت محل إجماع الشعوب والأمم المتحضرة، لذلك بات لزاماً أن يدفع الفضاء المدرسي باتجاه تشجيع واعتماد استراتيجيات تعليم وتعلم فاعلة، تنمِّي لدى الطلبة ميكانيزمات الحوار والتعلم التعاوني، بعيداً عن سياسة القهر، التي من أبرز صورها الحفظ والتلقين!
فمن حق الطلبة أن يُمنحوا فرصة الحوار والالتقاء مع بعضهم بعضاً ضمن الفريق الواحد للتعبير عن آرائهم سواءً من خلال «البرلمان المدرسي» المنتخب انتخاباً حرّاً ومباشراً من الطلبة أنفسهم، أو حتى عندما يبررون أسباب مخالفتهم للأنظمة واللوائح المعمول بها في المدرسة، وخاصة فيما يتعلق بالجانب السلوكي، فتارة تجد الإدارة المدرسية تعاقب طالباً على ممارسة عادة سيئة مثلاً كالتدخين، ولكن حينما تحاوره قد تُفاجأ بالجواب الآتي: وماذا عن المعلمين المدخنين في المدرسة؟!
وللمناهج التعليمية دور أساسي في إذابة الفروق أو التمييز على مستوى الجندر بين الذكور والإناث، إذ نلاحظ دأب المناهج، ولربما ومن غير قصد أحياناً على استخدام كلمة (الطالب، التلميذ، المعلم ...) بدلاً من رسمها بالصورة الآتية: (الطالب/ة، التلميذ/ة، المعلم/ة ..)، والأمثلة على ذلك كثيرة.
على المستوى الميداني والمحلي، فإنني أعتقد بضرورة الاستفادة من تجارب بعض المدارس الخاصة الرائدة في مملكة البحرين لتعزيز قيم العيش المشترك، لأنها قطعت شوطاً في توفير بيئة تعليمية منفتحة للطلبة، بغض النظر عن أصولهم وانتماءاتهم وأعراقهم ومذاهبهم وغير ذلك.
أكاد أجزم بأنه من الصعب اختزال المقررات الدراسية كـ « التربية للمواطنة « في كتاب مدرسي، لأن كفايات هذا المقرر تتعدى أسوار المدارس، لأن تأثيره يتجلى في إحداث تغيير حقيقي في ممارسات وسلوكات الطلبة، سواءً على مستوى المدرسة أو الأسرة أو الوطن أو الحياة كلها.
مسيرة التعليم قد تتعرض لبعض الهزات أحياناً، لكنها لم تسقط بعد.
يقول خالد المنيف في كتابه «افتح النافذة ثمة ضوء»: «تذكَّر أن السقوط لا يقلل من قدرك، ولكن الهزيمة ألا تنهض!»
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3172 - السبت 14 مايو 2011م الموافق 11 جمادى الآخرة 1432هـ