العدد 3169 - الأربعاء 11 مايو 2011م الموافق 08 جمادى الآخرة 1432هـ

الكتابة الشاقة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل 2782 يوماً من هذه اللحظة نَشَرتُ أول مقال لي في صحيفة «الوسط»، أي قبل 397.4 أسبوعاً من الآن. وبحساب السنين أنه كان قبل سبعة أعوام وستة أشهر وثلثي الشهر من اليوم. بالعربي الفصيح وبعيداً عن تلك القِسمَة العددية فإن نشره كان الثلثاء الموافق للثلاثين من سبتمبر/ أيلول من العام 2003. لقد كان المقال بحجم 2812 كلمة، وكان يتحدث عن سباق التسلّح بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.

علَّق حينها مدير التحرير على المقال بشهادة أعتز بها، لكنه أتبع ذلك بنصيحة مُجرِّب: لا تكتب مقالاتك بهذا العدد الكبير والمضغوط بالكلمات؛ سترى نفسك مُستنزفاً بعد حين. استمعت للنصيحة بكلّ أدب، لكنني مع الأسف لم ألتزم بها دائماً ربما بسبب الإدمان على النمط على رغم صوابية النصح ووجاهته. ثم ذكَّرني أستاذ الصحافة والإعلام في الجامعة المهدي الجندوبي بالأمر ذاته وبأمور أخرى قيِّمة ومُهَذّبَة. لقد كان أستاذاً مُبدعاً بحق وصاحب رؤية.

صِرت أكتب بِنَهَم لا ينتهي، محاولاً الالتزام بطريقة هي أقرب إلى النحت منها إلى الغَرْف وفق نظرية شعر جرير/ الفرزدق، في وقت بَدَت فيه «الوسط» وهي تشق طريقها نحو التموضع على الخارطة الصحافية بجدارة. لقد ظَهَرَ لي حينها أن ما يكتبه أحدٌ ما في «الوسط» يحتاج إلى أن يُعَاد عدة مرات في أماكن أخرى لكي يُقرَأ بالمنسوب ذاته من النشر وليستحصل ردّة الفعل نفسها الصادرة تجاهه. لقد أصبحت مَلْمَحَاً أصيلاً في واقع الصحافة البحرينية.

كل مَنْ كان يقرأ «الوسط» لا يُمكنه إلاّ أن يسأل: كيف تكتب هذه الصحيفة وتقول من النقد ما تقول بحق الدولة ومؤسساتها؟ الموضوع باختصار هو أن «الوسط» جاءت في سياق حقبة زمنية مهمّة من تاريخ البحرين السياسي، اصطبغت بمشروع إصلاحي متقدم ومدني أسَّس له ورعاه جلالة الملك. ليس ذلك أكثر من واقع مشهود بيَّنته التجارب السابقة.

قبل عام من الآن، وتحديداً بعد مرور عشرة أيام فقط على حلول ذكرى اليوم العالمي للصحافة وحرية التعبير فازت «الوسط» بجائزة فئة الصحافة السياسية التي تنافَسَ على فئاتها العشر 38 مرشحاً من الصحافيين من مختلف أرجاء الوطن العربي، وبمشاركات كليّة بلغت 3500 مشاركة من جميع الدول العربية. لقد كان الحفل مهيباً حيث أقيم في دبي تحت رعاية كريمة من نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يُعتبر واحداً من أكبر الداعمين للحركة الثقافية والمعرفية في العالَم العربي عبر مؤسسته العامرة (مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم) حين خصَّص موازنة لذلك من ماله الخاص بلغت 37 مليار دولار (10 مليارات دولار).

بعدها بخمسة أشهر، فازت «الوسط» ضمن قائمة فوربز - الشرق الأوسط لأقوى خمسين صحيفة حضوراً على الإنترنت في الوطن العربي. فوزٌ قدَّرته جهة متخصصة في ذلك المجال. وفي الوقت الذي كان ذلك الفوز وما قبله مكسباً للصحيفة، فإنه أيضاً ضاعَفَ من مسئولية ما أكتبه فيها سواء من ناحية الفكرة أو السَّرد. لقد كانت المهمّة شاقة فعلاً.

في كلّ الأحوال فإن الكتابة المستمرة عملية شاقة جدّاً، لكن ما هو أشَقّ منها هو الحصول على الفكرة. فالموضوع في أصله فكرة وليس حَشْواً. ومادام هو كذلك فهذا يعني أنه رأي، وهذا الأخير مرتبط بحريّة طرحه. وعندما يتمّ الحديث عن مسألة الحريات الصحافية يصبح الأمر أكثر جِدِّية. وربما أصبح ذلك الأمر مدار الحضارة التي أتبعت عصر الأنوار في أوروبا

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3169 - الأربعاء 11 مايو 2011م الموافق 08 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً