منذ أعوام عدّة ونحن نسمع عن الشرق الأوسط الجديد الذي ترسمه الولايات المتحدة وحلفاؤها. لكن ما يحدث الآن في العالم العربي هو روح عربية جديدة يرسمها العرب. لقد بدأ هذا التغير الإيجابي من تونس، ولكننا لا نعرف أين سينتهي.
وعلى رغم أن هذه الروح العربية الجديدة غير واضحة الملامح حتى الآن، وتعاني البحرين وليبيا وسورية واليمن من مستويات مرتفعة من العنف، فإن التغيير حاصل، فيما يمكننا رؤية تغيرات في الاقتصادات والسياسات، وأيضاً استجابات الحكومات العربية لمطالب المواطنين، بحيث يتيح المجال لنشوء ديمقراطية فعالة في البلدان التي نجحت فيها الثورة.
إنها روح عنوانها الرئيسي التضحية من أجل الآخر، حيث بدأ بحرق المواطن التونسي محمد بوعزيزي لنفسه من أجل شعبه، فأصبح عمله هذا رمزاً للحاجة إلى الثورة، ويستمر بكونه نداء لآلاف المواطنين الآخرين الذين يخرجون يومياً في شوارع وميادين الدول العربية ليُعلوا أصواتهم من أجل التغيير. وهم يدركون ما قد يحصل لهم من اعتقالات وحتى موت، وعلى رغم ذلك يضحون بأنفسهم لتعيش شعوبهم وأمتهم بكرامة وحرية.
إن أحد أبرز ملامح الروح العربية الجديدة هو الاحترام، فالمشاركون في الثورة المصرية على سبيل المثال قاموا بتنظيف النفايات والفوضى التي بقيت في ميدان التحرير بعد الثورة، فأظهروا احترامهم للبيئة. ثم هناك الاحترام الذي يظهر من خلال الاهتمام بالآخرين، والذي ظهر عندما شبك المصريون المسيحيون أياديهم وشكلوا حائطاً آدمياً ليحموا مسلمين كانوا يؤدون الصلاة أثناء الاحتجاج. وقبل حدوث الثورة، دافع مسلمون عن كنيسة مسيحية وروادها من هجمات محتملة، فأظهروا ذلك الاحترام والتضحية.
وعلمتنا الثورة في ليبيا واليمن كيف أن كبار شيوخ القبائل يضعون أسلحتهم جانباً احتراماً لسلمية الثورة التي يشاركون بها. ففي هذه البلدان، يحمل الرجال في العادة أسلحة مثل البندقية أو سيفاً صغيراً، كرمز للرجولة، ولكن في المظاهرات الأخيرة، أخذوا يتخلون عن سلاحهم لإظهار السلام والاحترام لرفاقهم المتظاهرين.
وأبرز ملامح الروح العربية الجديدة هو التغييرات التي تحصل على الصُعد السياسية كافة، وخاصة التغييرات التي تشمل القوانين والدساتير في البلدان العربية.
ففي مصر على سبيل المثال، تمت صياغة دستور مرحلي يتكون من 62 مادة، بما في ذلك ثماني مواد من دستور العام 1971 تم تعديلها نتيجة التصويت العام الذي جرى في 19 مارس/ آذار. ونصت إحدى هذه المواد على تخفيض الفترة الرئاسية من ست سنوات إلى أربع. وفي تونس، سينتخب الشعب مجلساً في 24 يوليو/ تموز من أجل تعديل دستورهم. وفي خطاب تاريخي، قال ملك المغرب محمد السادس إنه سيتخلى عن حقه في تعيين رئيس الوزراء، والذي سيتم اختياره من قبل البرلمان.
وتشير التغيرات الاقتصادية والاجتماعية إلى التحول الذي يجري في العالم العربي. فمن أجل تفادي حدوث المظاهرات في بعض الدول، بدأت السلطات ببذل جهودها لتحسين حياة مواطنيها.
في السعودية، على سبيل المثال، تم رفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين، كما تم تحديد الراتب الأساسي الأدنى، وهو 800 دولار بالشهر، حيث لم يكن هناك مثل هذا الراتب في الماضي. فالسعودية، مثلها مثل دول أخرى بذلت جهوداً مماثلة، أخذت تحاول أن تتفادى حدوث اختلال في الوضع القائم من خلال إجراء مثل هذه التغييرات. إلا أن هذه التغييرات، على رغم كونها إيجابية، يجب أن تكون جذرية بشكل أكبر وتسمح بالتحول نحو ظهور نظام سياسي ديمقراطي.
في نهاية المطاف، أظهرت ملامح الروح العربية الجديدة اعتراف المجتمع العالمي وإيمانه بجيل الشباب وقيادته للثورة. ويأتي هذا الاعتراف بعد أن كان الشباب مهمشين، ويُنظر إليهم على أن حياتهم الشخصية هي فقط همُّهم. وفي الحقيقة، تشير الدول التي تشهد الثورات حالياً إلى هذه الأحداث على أنها ثورة الشباب. هناك رياح جديدة تهبّ على العالم العربي، والديمقراطية بدأت تخط طريقها
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3165 - السبت 07 مايو 2011م الموافق 04 جمادى الآخرة 1432هـ