في الصراع السياسي، تماماً كما هو الحال في المعارك العسكرية، تنتهي الأمور في صالح طرف على حساب طرف آخر، تبعاً لموازين القوى، ومدى قدرة كل طرف على أن يجير الظروف الموضوعية والذاتية القائمة لصالحه من جانب، وعدم تمكن الطرف الثاني من تحقيق ذلك في الوقت المناسب وفقاً لما تتطلبه طبيعة الصراع، من جانب آخر. وفي المجتمعات الديناميكية المتحركة، كما هو الحال بالنسبة إلى المجتمع البحريني، غالباً ما تكون وتيرة الصراعات سريعة، وطبيعتها، في الكثير من الأحيان حادة، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج عميقة تحتاج معالجتها إلى حنكة سياسية أولاً، ونظرة صائبة طويلة المدى ثانياً، وقدرة على تحمل الصبر ثالثاً، وفهم العلاقة مع الطرف الآخر في ذلك الصراع رابعاً.
ما جرى في الآونة الأخيرة في البحرين يشكل نموذجاً حيّاً، ودليلاً ساطعاً يؤكد صحة هذه المقولة، حيث تعرضت المعارضة البحرينية إلى انتكاسة شديدة أدت إلى تقوقعها، وارتدادها إلى الخلف. هذا الارتداد يمكن أن يأخذ شكلين، الأول فوضوي، غير منظم، يقود في نهاية الأمر إلى إشاعة الكثير من عناصر اليأس في صفوف أفراد تلك المعارضة، الأمر الذي من شأنه تركيز بعض الأمراض التي تعاني منها، وإضافة أخرى، ربما تكون أشد خطورة منها، اكتسبتها خلال تلك الصراعات. وأخطر أعراض هذا الارتداد هو اليأس، والإحباط. أما الثاني فيتم بعد إعادة ترتيب الصفوف، وتنظيم خطوات التراجع، مع الاحتفاظ بنزعة التفاؤل منتشرة في صفوف أعضاء المعارضة وتنظيماتها.
يفسح هذا التراجع المنظم، في المجال أمام قيادة المعارضة البحرينية، فرصة ذهبية لتشخيص الخسائر، وتحديد حجمها، واستيعاب الحيز الحقيقي الذي تحتله على الصعيدين: الفردي الخاص، والمؤسساتي العام، بحيث يتسنى للمعارضة التقاط أنفاسها، وإعادة ترتيب صفوفها، كي تتمكن من العودة إلى ساحات الصراع، وهي أكثر شباباً وحيوية، ومتخلصة من أيٍّ من سلبيات المرحلة السابقة. والخطوة الصحيحة في عملية إعادة الترتيب هذه هي المصارحة مع الذات، دونما خشية أو وجل، وكلما كانت المصارحة مع النفس أكثر شفافية ونقاءً، وبعيدة عن الانفعالات الذاتية غير المبررة، كلما كانت القدرة على التشخيص، ومن ثم وصف العلاج أفضل وأكثر جدوى.
وإعادة ترتيب الصفوف، ليست قضية إجرائية تنظيمية بحتة، كما قد تبدو من الخارج، بقدر ما هي وقفة مصارحة مع الذات يمتزج فيها التنظيمي، بالعقائدي، سوية مع السياسي، كي ينتج عن ذلك كله معارضة بحرينية شجاعة، قادرة على الدخول في أشكال الصراع من جديد، على أن يتم كل ذلك وسط شرعية متفق عليها تستند إلى الدستور أولاً، ومرجعيتها القوانين والأنظمة المعمول بها في البلاد ثانياً، وهدفها الإصلاح التدريجي المتفق عليه ثالثاً
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3164 - الجمعة 06 مايو 2011م الموافق 03 جمادى الآخرة 1432هـ