رافقت أخبار مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على يد قوات أميركية خاصة يوم الأحد الماضي مظاهر احتفالات في واشنطن ونيويورك. أما في باكستان فقد بقي كثيرون ملتصقين بأجهزة التلفزة وهم يتساءلون ما قد يعنيه هذا الحدث لأمن بلدهم وسيادته. يشير مقتل بن لادن إلى الجمهور الباكستاني بأن باستطاعة الولايات المتحدة التصرف باستقلالية ومن دون التعرض للعقوبة على أراضيهم. إلا أنه إذا قامت الحكومة الأميركية بالاعتراف بالقلق الشرعي للجمهور الباكستاني والتعامل معه، فقد يثبت مقتل بن لادن أنه نقطة مهمة في الدبلوماسية الأميركية.

غطت على أخبار مقتل الزعيم الإرهابي بالنسبة لمعظم الباكستانيين أسئلة عن الدور الذي لعبته حكومة بلدهم وجيشها في العملية. ففي خطابه إلى الأمة، أكّد الرئيس باراك أوباما أن «التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع باكستان ساعدنا على الوصول إلى بن لادن والمجمّع الذي كان يختبئ فيه». إلا أن كبار مسئولي البيت الأبيض أصروا على أن الولايات المتحدة تصرفت منفردة، وأنه لم يتم إعلام السلطات الباكستانية إلا بعد بدء العملية. ويوم الثلثاء أوضح الرئيس الباكستاني عاصف زرداري أن الضربة لم تكن عملية مشتركة.

ركّزت التغطية الإعلامية العالمية على حقيقة أن عمل الولايات المتحدة المنفرد يؤكد عدم ثقتها بالمؤسسة الأمنية الباكستانية. بالمقابل، أضعفت عملية قتل بن لادن بشكل إضافي قدرة باكستان على الثقة بالولايات المتحدة ونواياها الإقليمية المعلنة. وتأتي الضربة بعد اجتماع تم الشهر الماضي بين مديري وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (CIA) ووكالة المخابرات الباكستانية (ISI)، التي طلبت من وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية الحدّ من أثر وجودها في باكستان، وطالبت بالمزيد من الإشراف على العمليات الاستخباراتية الأميركية على الأراضي الباكستانية.

وفي الشهور الأخيرة، توقّف المسئولون الأميركيون عن إنذار باكستان مقدماً بوجود ضربات من قبل طائرات من دون طيار ضد المتشددين المسلّحين في المناطق القبلية. إضافة إلى ذلك فإن الجمهور الباكستاني لم يتقبل بعد عملية إلقاء القبض ثم إطلاق سراح ريموند ديفز، المقاول مع وكالة الاستخبارات الأميركية الذي أطلق النار وقتل رجلين باكستانيين في لاهور في شهر يناير/ كانون الثاني هذه السنة، ثم إطلاق سراحه.

سيُذكي منظور أن بإمكان الولايات المتحدة التصرف من دون رادع في باكستان شعوراً بانعدام الأمن. فعلى المستوى الاجتماعي يتساءل الباكستانيون ما إذا كان مقتل بن لادن «هو بداية لعبة النهاية في باكستان». أي بمعنى آخر، بداية المواجهة المفتوحة بدلاً من التعاون بين الولايات المتحدة وباكستان. فهم يخافون من أن تؤدي ضربة واحدة داخل حدود باكستان من طرف واحد إلى المزيد من أعمال أعنف. وأدى تصريح أدلى به يوم الاثنين رئيس لجنة الاستخبارات الأميركية مايك روجرز بأن اثني عشر من كبار قادة القاعدة على الأقل يقيمون في باكستان، لأن يتساءلوا ما إذا كانت الولايات المتحدة تعد لسلسلة من الضربات تنتهك سيادة باكستان الوطنية. وما فاقم مصادر القلق هذه تعيين الجنرال ديفيد بيتريوس مؤخراً رئيساً جديداً لوكالة الاستخبارات المركزية. وانتقد هذا الجنرال بشدة باكستان لأنها تحافظ على روابط مع مجموعات متشددة وتتحمل وجود ملاذ أمين للإرهابيين على أراضيها.

ولمزيد من الوضوح فإن الباكستانيين يشعرون بالقلق بشكل مماثل بِشأن الوضع الأمني في بلادهم. فهم مرتعبون من الهجمات الانتقامية التي أقسم «طالبان» على شنّها بعد بضع ساعات من انتشار خبر مقتل بن لادن.

ويشعر الكثيرون بالخوف كذلك من حقيقة أنه تم اكتشاف وجود بن لادن في أبوت أباد، موطن قاعدة عسكرية باكستانية، والأكاديمية العسكرية الباكستانية الشهيرة، إذ تشكل مجرد فكرة أن بإمكان الزعيم الإرهابي الاختفاء تحت أنظار المؤسسة الأمنية الباكستانية فكرة مرعبة. أما الاحتمال الثاني، وهو أن بن لادن كان بحماية الوكالات الاستخبارية الباكستانية، فهو أمر أكثر خطورة إذا أخذنا بالاعتبار أن أكثر من 30.000 باكستاني قتلوا في هجمات جرت مؤخراً لها علاقة بالإرهاب.

إذا أخذنا بالاعتبار الشعور السائد بالضعف أمام الهجمات، فإن الوقت غير مناسب للاحتفال بالنصر. إن مقتل بن لادن بالتأكيد، لو تم التعامل معه بطريقة صحيحة، قد يشكل نقطة تحول في علاقة ثنائية متعثرة. ربما يشكل تفسير أساليب العملية فرصة لمزيد من الشفافية في العلاقات الأميركية الباكستانية وتذكيراً بأنه في الوقت الذي تتباعد فيه الأولويات الاستراتيجية للحليفين في المنطقة، إلا أنها على رغم ذلك متكاملة. وإذا كان مقتل بن لادن، كما جرى اقتراحه، ييسّر خطط الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان، فقد يشكل ذلك تعاوناً لم يسبق له مثيل بين واشنطن وإسلام آباد