اختتم مهرجان التراث السنوي التاسع عشر الذي تنظمه وزارة الثقافة برعاية عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وتحت شعار «بريق اللؤلؤ» استمتع الزوار ببرامج وفعاليات المهرجان المنوعة، فبالإضافة إلى تسليط الضوء على مشروع طريق اللؤلؤ، فإن أجنحة وأقسام المهن والحرف اليدوية والشعبية نالت نصيباً كبيراً من اهتمام الزوار على تنوعهم واختلاف أعمارهم وفئاتهم وخاصة أبناء الأسر من المقيمين والأجانب والسياح الخليجيين الذين اكتشفوا جمال وأسرار تلك المهن والحرف اليدوية القديمة.
تضمن مهرجان «بريق اللؤلؤ» الذي اتخذ من القرية التراثية في قلعة عراد موقعاً له عرضاً لمهنة «الصفار» الذي يقوم بصنع الأواني النحاسية والجدور والصواني وبعض الأدوات المنزلية التي كان يستخدمها البحرينيون قديماً. وقد كانت بعض العائلات في السابق تمارس هذه المهنة فأصبحوا يلقبون بـ «الصفار» نسبة إلى مهنة أجدادهم الذين كانوا يستخدمون النحاس الأصفر في فترة من الزمن كمادة أساسية في صناعة الأدوات المنزلية، وخصوصاً أواني الطبخ، حيث كان عدد من المناطق في البحرين تشتهر بصناعة النحاس.
كما كان لـ «صانع السلال» وهي حرفة يدوية مهمة وشائعة وهواية يُمارسها كثير من الناس ويصنعون سلالاً تستخدم في الحياة اليومية إما للاستخدام العملي أو للزينة، مشاركة في المهرجان، حيث تعد صناعة السلال واحدة من أعرق الصناعات اليدوية، وكان صانعو السلال يستخدمون المواد والأساليب نفسها التي استُخدمت قديمًا في صناعة السلال كالخوص وأوراق النخيل.
كما اطلع زوار مهرجان التراث على عمل صاحب مهنة «القطان» أي النِدافة والتي تعني صلج القطن وهي حرف تقليدية قديمة لعبت دوراً رئيسياً حيث كان الندَّاف هو الذي يقوم بصناعة المراتب «الدواشق» «والمنمه والتكيات» المساند والمخاد، وما إلى ذلك من الصناعات القطنية وذلك باستعمال «القوص» لضرب القطن وهي آلة خشبية على شكل فأس طولها متران تقريباً ويتوسطها خيط يسمى «طفة» وكذلك يستخدم العصا لتقطيع وتنتيف القطن، وبعد أن يفتت القطن بعصا طويلة من الخيزران يمرر من خلاله آلة الحلج (القوص)، ويجري بعد ذلك صناعة الوسائد والفرش والمساند وغيرهم باستخدام قماش يسمى «الخاكي»، وكان النداف فيما مضى يجوب المناطق ليقوم ببيع ما يقوم بصناعته أو يصلح ما يريد الناس إصلاحه ويكون ذلك فوق أسطح المنازل.
ولم يغب عن أروقة المهرجان الصناعة المتوارثة لـ «الصندوق المبيت» وهو تراث خليجي مستورد من الهند سبق عصر النفط وبرع أهل الخليج في صناعته، وأصبح الصندوق المبيت اليوم قطعة أثاث للعرض في المنازل كديكور للتزيين فقط، وكان يجلب في السابق من الهند وكان البحرينيون يضعون في الصندوق الملابس والحلي والعطور وحاجيات العروس ويوضع في بيت الزوجية التي ستنتقل إليه ليلة قبل الزفاف، فسمي بهذا الاسم كونه يبيت في المنزل قبلها ثم يسلم لها في اليوم التالي من الزفاف كما كان متبعا في البحرين، ولا يباع الصندوق المبيت في العادة بعد اقتنائه، إذ يحتفظ به أهله منذ دخوله المنزل حيث يستخدم في التخزين وغالباً للحاجيات الشخصية.
من جهة أخرى، فقد كان من ضمن الأهداف التي وضعها منظمي مهرجان التراث التاسع عشر تسليط الضوء على مسيرة اللؤلؤ في البحرين باعتباره شاهداً على اقتصاد البحرين، حيث حصل اللؤلؤ على النصيب الأكبر في المهرجان، وذلك من خلال فرد مساحات في مختلف أرجاء المهرجان، حتى يتعرف الزوار عن كثب على هذا التراث العريق ومسيرته منذ سنوات اكتشافه إلى يومنا هذا.
وقد تنوعت أساليب وأنواع عرض موضوعات اللؤلؤ خلال المهرجان، فمع بداية دخول الزائر للمهرجان، يجد المخطط الذي يتحدث عن المشروع الوطني (طريق اللؤلؤ) وهو المشروع المقدم للإدراج على قائمة التراث الإنساني العالمي، وهو طريق يمكن لأي زائر أن يسلكه ويكتشف عناصر مختلفة من الحكاية التي تروي كل جزئية منها شيئا عن اللؤلؤ.
ينتقل الزائر في أرجاء المهرجان ليكتشف أسرار رحلات الغوص، فقبل اكتشاف النفط في البحرين العام 1932 كان اقتصاد البحرين يعتمد اعتماداً كلياً على صيد اللؤلؤ لما توفره هذه الحرفة من فرص عمل لسد حاجة المواطن في توفير ضروريات ومتطلبات الحياة المعيشية والاقتصادية الصعبة، ونتيجة لارتباط إنسان البحرين بالبحر اتجه إليه بحثاً عن مصادر رزق جديدة له، ووجد ضالته في اللؤلؤ الذي جد واجتهد في البحث عنه وهو ما أدى بالتالي إلى ازدهار هذه الصناعة، حتى بلغت شهرة البحرين معظم الدول التجارية المعروفة آنذاك، وأضحت سوق البحرين ملتقىً لأكبر تجار اللؤلؤ من مختلف دول العالم، فأخذوا يقصدون البحرين من أجل شراء اللآلئ الثمينة ومن ثم تصنيفها عالمياً.
وبفعل الحركة التجارية النشطة، انتعش الوضع الاقتصادي والمهني في البحرين على مدار عقود وأدى ذلك إلى بروز الكثير من الحرف والصناعات القائمة على صناعة اللؤلؤ، حتى غدا العاملون في صناعة اللؤلؤ يشكلون قطاعاً واسعاً من السكان، ويتبوأون مركزاً اجتماعياً مرموقاً للدور البارز والمؤثر الذي كانوا يؤدونه في تسيير حركة الانتعاش والازدهار الاقتصادي في البلاد.
وتمتد رحلة الغوص فترة من الزمن تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، وتبدأ من الأشهر الأولى للصيف (يونيو/ حزيران) حتى بواكير دخول فصل الشتاء (في أكتوبر/ تشرين الأول)، وفي فترة كثافة رحلات الغوص وازدهار تجارة وصناعة اللؤلؤ كان هناك ما يقارب من 2000 إلى 2500 سفينة تبحر متجهة إلى مصائد اللؤلؤ والتي تعرف بـ «الهيرات»، وتقع هذه الهيرات في الشمال والجنوب من جزيرة البحرين. وعرف يوم بدء رحلة الغوص ومغادرة البحارة والغاصة بيوم «الدشة» وهو يوم مشهود يتجمع فيه الأهالي لتوديع البحارة بالأهازيج والأغاني والمواويل الشعبية، وتبدأ الرحلة بتسلم شخص من أفراد الرحلة هو النوخذة زمام القيادة على ظهر السفينة.
لم يغفل منظمو المهرجان عن الدور الذي يضطلع به النوخذة وهو الربان الآمر الناهي على ظهر السفينة، وعادة ما يكون مالكاً للسفينة إذا لم تكن ملكاً لأحد التجار. وقبل الإبحار بفترة يقوم النوخذة بتجهيز السفينة بكل ما تحتاجه من الحبال والأشرعة والمؤونة من التمر والرز ونحوها، كما يعطي بحارته مبلغاً من المال يسمى «السلفة» يقضون بها لوازم لسد حاجات عائلاتهم أثناء فترة الغياب. ويقوم النوخذة بالإشراف على حركة وسير السفينة وتنظيم العمل على ظهرها ولاسيما عند بدء أعمال الغوص الذي يبدأ من الصباح الباكر ويستمر حتى غروب الشمس.
يتحمل الغيص أو الغواص الجزء الأكبر من المشاق عند البحث عن اللؤلؤ، ويفوق ما يتحمله زملاؤه البحارة الآخرون، فهو معرض للأخطار بين الفينة والأخرى، وخاصة أسماك القرش وغيرها من أحياء البحر ذات الإفرازات الحارقة كقنديل البحر (الدول). ويغوص الغيص بحثاً عن المحار في مصائد اللؤلؤ في أعماق تتراوح بين 7 أبواع و20 باعاً، مستعيناً بحبلين يساعدانه في الغطس، مهمة الحبل الأول الإسراع بالغيص إلى القاع ويربط في نهاية هذا الحبل «حير» وهو حجر أو كتلة من الرصاص ذات وزن ثقيل، ويترك الغيص الحبل متى ما وصل إلى القاع، ومهمة الحبل الثاني ويسمى «الجدا» رفع الغواص إلى الأعلى، ويستمر الغيص في الأعماق مدة دقيقة الى دقيقة ونصف، ويلتقط أثناء ذلك المحار من القاع ويحفظه في سلة معلقة في رقبته تسمى «الديين»، ويساعده في عملية الغوص مشبك خشبي صغير يسمى «الفطام» يشبك به منخري الأنف لمنع تسرب الماء إليه، ويستمر الغيص في عمله طوال ساعات النهار.
ويعمل بجانب الغواص بحارة لهم أدوار متعددة يقومون بأدائها بحسب المهمات الموكلة إليهم، وعادة ما يكونون متخصصين في أداء عملهم، وينقسمون إلى ما يلي:
يقوم السيب بعمليتي إنزال وإخراج الغيص من قاع البحر، ونظراً إلى العمل الحساس الذي يؤديه السيب والمتمثل في الحفاظ على حياة الغيص أثناء وجوده في القاع أهمية خاصة، فيتوجب أن يكون السيب حاضر الذهن رائق البال، وذا خبرة طويلة في أمور الغوص عارفاً بكل إشارة يطلقها الغيص حتى لا يعرضه للخطر.
يقوم التباب بالخدمة فوق ظهر السفينة كتقديم الماء والتمر والقهوة إلى البحارة، كما يتولى غسل الأطباق والأواني، وتتراوح أعمار التبابين بين السابعة والعاشرة، وعادة ما يكونوا أبناء لبعض البحارة، ولا يحصل التباب على نصيب معين من إيراد الغوص، وكل ما يحصل عليه هو بعض المحار، وإذا عثر خلال تفتيشه على بعض اللآلئ الصغيرة (السحتيت) المنسية فإنها تكون من نصيبه
العدد 3164 - الجمعة 06 مايو 2011م الموافق 03 جمادى الآخرة 1432هـ