العدد 3163 - الخميس 05 مايو 2011م الموافق 02 جمادى الآخرة 1432هـ

ثقافة القبول بالآخر

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من بين ظواهر أخرى كثيرة أفرزتها الأحداث الأخيرة تميزت واحدة منها بحضورها الواسع والمكثف، تلك هي محاولة نفي الآخر، ورفض القبول به، والإصرار على إخراجه من معادلة العمل السياسي. مثل هذه الظاهرة خطيرة، وتقود، شئنا أم أبينا إلى بناء مجتمع أحادي، تختفي منه التعددية، بما فيها السياسية.

ما ينبغي لفت النظر إليه هنا هو تنامي ظاهرة «نفي الرأي الآخر» في صفوف المواطنين، وبين بعضهم بعضاً، جراء الاحتقان الطائفي الذي تمخضت عنه وعلى نطاق واسع، الأحداث الأخيرة، حيث بتنا نشاهد التخندق الطائفي القائم على محاولة نفي طائفة لأخرى ينتقل من اللوحات المتوزعة على شوارع العديد من مدن البحرين، كي يستقر في صفحات المجلات والصحف. ولم يسلم التلفزيون من هذا المرض البغيض، حيث تحولت بعض البرامج من أندية للحوارات، يتوق المواطن إلى مشاهدتها، إلى قاعات محاكم تُتبادل فيها الاتهامات، ويعمل كل متحاور، قدر ما في وسعه، على نفي الآخر، وتثبيت نفسه مكانه.

الأمر الذي يستحق التوقف عنده هنا، هو المشاركة غير المتوقعة من قبل المثقفين الذين تبرعوا ذاتيّاً، بالقيام بعمليات نهش لحوم بعضهم بعضاً، إمعاناً في تأكيد تمسك كل منهم برفضه للآخر، الأمر الذي حوَّل قنوات التواصل، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي، إلى ساحات للمهاترات، وأوعية للتنابز بالألقاب، وتبادل التهم التي غالباً ما تفتقد للمستندات، ونسبة عالية منها من نسج خيال مدونيها.

بطبيعة الحال؛ ليس هناك ما يمنعنا من تبرئة الذات، وإلقاء اللوم على جهات أخرى «مبهمة» أحياناً، وليس لها يد فيما يدور من مهاترات أحياناً أخرى، لكن ذلك لا يمكنه أن يعفي العديد من الأقلام والأصوات التي انخرطت في عملية نفي الآخر هذه من مسئولية مساهمتها في إشعال نيران هذه العملية، واستمرارها في صبِّ الزيت على تلك النيران، كي تزداد اضطراماً، وتتحول من مجرد حالات متفرقة واستثنائية، إلى سلوك غير متحضر يقودنا إلى ما نحن فيه من أوضاع متردية.

نحن اليوم، وفي ظل الاحتقانات المختلفة، أكثر ما نكون في حاجة إلى التمسك بثقافة القبول بالآخر، ففي ذلك القبول تأكيد لحق كل منا في الإفصاح عن رأيه، والدخول في حوارات مع الآخرين، لكن بعد التمسك بأدب الحوار وقيم الاختلاف، التي متى ما سادت سلوكنا، وفَّرت علينا نزيف معارك وهمية، تحولنا إلى دونكيشوتات معاصرة، ربما ترضي غرور البعض منا، لكنها، من دون أي شك تزج بنا في معارك هامشية تهدر طاقات من ينخرط فيها

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3163 - الخميس 05 مايو 2011م الموافق 02 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً