العدد 3162 - الأربعاء 04 مايو 2011م الموافق 01 جمادى الآخرة 1432هـ

الحب خارج الطائفة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إنها قصة بحرينية بامتياز. بَطلاها شاب وشابة في مقتبل العمر كلاهما ينتميان إلى مذهب مختلف. دَخَلَ الاثنان في مشروع حب خالص قفز على أي اعتبار ديني أو نفسي واهِم. طيلة مشوارهما ذاك لم يكن يَدُر في خلديهما لا تباين اسميهما ولا عائلتيهما ولا حيِّهما ولا انتمائهما المذهبي والطائفي، بل إن ذلك الاستحضار كان من الكبائر المحرمة في العلاقة.

الشاب من عائلة محافظة، لكنه الوحيد الذي تحرر منها. والشَّابة من عائلة ليبرالية لكنها الوحيدة التي بدَت نصف محافظة منها. في موضوع الدَّم فإن الأقدار شاءت أن يتعاكسَا هما الاثنان فيه معاً لدرجة انصهار عِدَّة دماء وأصلاب في عنوان عائلي وعشائري/ قبلي واحد. لم يديرا بالاً إلى ذلك التعاكس ماداما مقتنعين من أن الكثير من عظماء التاريخ كانوا على تلك الشاكلة.

في كل الأحوال فإن ما جرى على مجتمعنا من أزمة سياسية واجتماعية كان اختباراً حقيقياً لحبِّهما، والاستفهام بشأن ما إذا كان قد صَمَدَ أمام هذا الانشطار أم أن عقده قد انفرط. سألت الشاب ماذا ترى في معشوقتك عندما تتذكرها في هذه الأزمة؟ قال: ما أتذكره فقط هو أن مَبْسمها فضّي، وعيناها لوزاويتان شَرهتان تدُوران في مَحْجَر غَزَليٍّ ساكِن، وتتدليان من فوقهما شُعيراتٌ طويلة مِن على شُفرَيْن مرميّيْن لكنهما بازغَيْن، كأنهما نُدفةُ ثلجٍ ناصعة.

ضحكت من القلب ثم قلت له: هذا كلام يمكن أن يقوله فلورينتينو وفيرمانا داثا في رواية الحب في زمن الكوليرا، أما أنتما فتعيشان اليوم وسط أناس يمخرون صباح مساء في هَرج ومَرج لا ينتهي فأين أنتما مما يجري. قال: أصدِقكَ القول، نحن لا نشعر بذلك البتة. كل ما نسمعه هنا أو هناك هو بمنزلة الهراء وسفاسف الكلِم. لك أن تتخيَّل أن حرصها عليَّ في هذه الأزمة قد زاد، وحرصي عليها قد تضاعف. نقضي أياماً دون أن نقتصد في الوقت. وصل بنا الأمر أن نَصِل النهار بالليل دون أن نشعر. لا أدري، ربما صَدَقت كلمة الأديب الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز عندما قال إن «الحب يصبح أعظم وأنبل في المحن» وهو ما أعتقد بأننا فيه تماماً.

يضيف واصفاً إياها بأنها باتت قادرة على مجابهة حدَثيْن في آن واحد. تمنحني أنا كلاماً يلائم ما نحن فيه، وفي الوقت نفسه تُخاطِب ما يؤلمني من حوادث بصوتٍ رَحوي راعِد، والتعبير بأقسى أنواع الكلمات والعبارات التي تعتقد بأنها ستعيد إلينا كرامتنا، وحق حُبنا المراد استلابه. لم ترتخ لحظة أمام ضغوطات الأزمة على أوقاتنا، وإنما كانت تجتهد من أجل أن أرى كلّ شيء جميل. لم تتمثل ولا مرة واحدة في أيٍّ من ملامح ما يجري حولنا. إنها فعلاً نقيَّة.

هذه تجرية ثنائية لكنها جماعية في تأثيرها. بالتأكيد سيتحدّث الاثنان المذكوران داخل محيطيهما الطائفي الموبوء بكلام مختلف، وسيدافع الاثنان عن الجمْعَيْن. سيقتنع البعض وسيُكابر بعض آخر ممن ستأخذه العزة بالإثم. أتساءل هنا: ماذا لو تكررت هذه التجربة في عشرين أو ثلاثين آخرين؟! فالحب كالحرب من السهل أن تشعلها ولكن من الصعب أن تخمدها كما يُقال.

أتذكر في هذا المجال مشاريع حب خالصة من التاريخ أنهَت الصراعات وأماتت الأحقاد بين الأقوام والديانات. في القرن السادس عشر أحب امبراطور المغول فتاة هندوسية حُباً جماً وتزوجها فهدأت حروب الطوائف حينها. وعاش سونغتسين غراماً مع أنوثة الصين وجوارها النيبالي فتلاقت الديانات المتنافرة على أرضه. وعندما أحب زعيم أنطاكيا بوهيموند السادس كريمة هيتوم الأول زعيم الأرمن ثم تزوجها مات الحقد الأنطاكي الأرمني بعد أن كان مشتعلاً سنين عِدَّة. وفي زيجات العروش الأوروبية خلال القرون الثلاثة الماضية نماذج مماثلة لا تقل تأثيراً عن سابقتها.

خلاصة القول هو الدعاء بأن يجزي الله المحبين عنا كل خير. فهم وإن لم يسمحوا لنا بأن نشاركهم لذة الحب التي يعيشونها إلا أنهم أشركونا في أجوائه الهادئة وتأثيراته على النفوس والقلوب

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3162 - الأربعاء 04 مايو 2011م الموافق 01 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً