كنت عند مشاهدة أخبار هجمة إرهابية أخرى أغيّر القناة ببساطة، إلى أن جاء يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، عندما جاءني اتصال هاتفي غيّر حياتي إلى الأبد. قال المتصل إن انفجاراً وقع في مكاتب هيئة الأمم المتحدة في إسلام آباد حيث كانت زوجتي غول روخ تعمل.
لا أذكر ما إذا قدت سيارتي، أو كيف وصلت إلى المكتب. كل ما أعرفه هو أنني وصلت إلى هناك بطريقة ما. ولكن لم يكن هناك ما يمكن رؤيته أو أحداً لمقابلته.
أخبرني أحدهم أنه تم أخذ غول روخ إلى المركز الطبي. بدأت أسأل نفسي وأنا أقود سيارتي إلى هناك وأنا مذهول، ذلك السؤال الأبدي الذي يطرحه الناس في أوضاع كهذه: «لماذا أنا؟».
اسمي طاهر ودود مالك، رائد متقاعد في الجيش الباكستاني. وفّرت لي حياتي العملية أسلوب حياة مريحاً، وكنت أعتبر نفسي جزءاً من المجتمع الباكستاني «الأكثر حظاً». شعرت من نواحٍ عدة بأنني بمعزل عن العديد من أفراد الشعب الباكستاني العاديين.
عند وصولي المركز الطبي وقفت محاطاً بالفوضى، إلى أن أخذني طبيب إلى سرير متحرك مغطى بشرشف أبيض. عندما رفعته رأيت وجه غول روخ وقد خلا من اللون أو الحياة.
سمعت وأنا أقف هناك مخدَّراً ملتصقاً بالأرض أصوات فوضى، ونظرت فرأيت أحد موظفي المستشفى يُبعد كاميرا تلفزيونية بعيداً عن المكان الذي كنت أقف فيه. كان المصوّر يصور الفوضى العارمة في المستشفى وردّة فعلي كما بدت على وجهي، فأدركت أنني أصبحت الوجه المجهول الذي لا اسم له على شاشة التلفزة، المصاب بالصدمة والذهول نتيجة لمجزرة هجوم إرهابي. أصبحْت ذلك «الباكستاني العادي» الذي لا يريد أحد في الواقع رؤيته.
وارينا زوجتي الثرى قبل منتصف الليل، وتفرّق الحضور. بقيت وحدي أفكّر بما حدث وأشعر بالغضب المتزايد، والإحباط والتعب الشديدين وعدم القدرة على التفكير بوضوح بما حدث.
شعرت مع مرور الأيام بالوحدة المتزايدة. لم يكن هناك من أتحدث معه. يُعتبر الحزن بالنسبة للكثيرين في باكستان أمراً صامتاً شخصياً، ويتقبل معظم الناس الخسارة على أنها مشيئة الله تعالى. ولكن رغم أن ردود فعل الناس تجاه الخسارة قد تبدو متماثلة، ليس هناك تجاوب عادي مع الخسارة، وقد يكون مرد ذلك إلى أنه لا توجد خسارة عادية. حزننا شخصي تماماً مثل حياتنا.
وقعت هجمات انتحارية أخرى خلال الأيام التي تلت، وشعرْت نفسي منجرفاً نحو أماكن وقوع هذه الهجمات. جعلني الحديث مع الناجين أدرك أن بإمكاننا أن نتعاطف بشكل معمق مع بعضنا بعضاً لأننا نتشارك بخسارة لا يستطيع الآخرون فهمها أو الارتباط بها.
ما الذي يمكن عمله تجاه هؤلاء الذين عانوا بعمق؟ سنحت لي فرصة مقابلة ناجين آخرين من حوادث إرهابية عبر العالم في عمّان بالأردن عندما دُعيت لحضور افتتاح متنزه كرّس لذكرى تفجيرات الفنادق عام 2005، الذي أدى إلى مقتل 60 شخصاً وجرح 115 آخرين.
أعطاني هذا التعاون بين ضحايا الهجمات الإرهابية من حول العالم الاتجاه الذي أحتاجه لتوجيه إحباطاتي وشعوري بعدم القدرة على مساعدة مواطنيَّ الباكستانيين. بدأت لدى عودتي إلى باكستان أحادث المزيد من الناجين والضحايا، وألقيت كلمات أمام طلبة المدارس والجامعات لنشر الوعي حول ما يحدث للأسر والأصدقاء في أعقاب هجمات كهذه. قمنا بعد ذلك بتأسيس «شبكة الناجين من الإرهاب في باكستان»، لمساعدة الضحايا والناجين من الإرهاب وجعلهم يتفاعلون مع بعضهم بعضاً ويقدّمون العزاء والتعاطف.
تعلّمت من خلال الحديث مع الآخرين أنه في الوقت الذي يُعتبر النسيان فيه مستحيلاً إلا أننا نستطيع أن نغفر. أطلب من الآخرين في موقفي كذلك أن يبذلوا الجهد ليفعلوا ذلك أيضاً.
ولكن لو سنحت لي الفرصة في يوم من الأيام لأن أواجه شخصاً يفكر بأن يصبح مفجّراً انتحارياً فسوف أطرح عليهم فقط بعض الأسئلة: هل قرأت فعلاً ما يقوله القرآن الكريم حول أعمال كهذه؟ أم أنك تصغي فقط إلى شخص عقائدي؟ هل تعرف أن النبي محمد (ص) كان يكره العنف ويمقته؟ وأخيراً كيف تستطيع التعامل مع حقيقة أنه في يوم من الأيام قد يرتكب شخص آخر نفس هذا النوع من الهجمة مما يؤدي إلى جرح أو قتل أحد أفراد عائلتك؟
ليس الضحايا والناجون بالتأكيد «عاديين». لقد عانينا عبر خسارة مفجعة لدرجة نأمل ألا يضطر آخرون كثيرون أن يفهموها أو يتشاركوا بها. آمل أن يكون صوتي عالياً بشكلٍ كافٍ ليرنّ صداه عند المتطرفين الصغار المرتبكين ومع الذين يشعرون ويتعاطفون معهم، ويُفهمهم أن أعمالهم لن تحقق سوى الألم والخسارة والدمار
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3161 - الثلثاء 03 مايو 2011م الموافق 30 جمادى الأولى 1432هـ