العدد 1332 - السبت 29 أبريل 2006م الموافق 30 ربيع الاول 1427هـ

القرار والتقرير

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ليس مصادفة أن يتزامن صدور التقرير السنوي الأميركي عن «انماط الإرهاب الدولي» مع تقديم رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي تقريره عن الملف الإيراني إلى مجلس الأمن. فالولايات المتحدة تعتبر أنها أوصلت الملف النووي الإيراني إلى المكان الذي تريده. ومجلس الأمن هو المكان المفضل لواشنطن، فهي تعتقد أنها تستطيع منه ممارسة ضغوطها الدبلوماسية لانتزاع مواقف دولية تناسب خطتها التي تقوم على سياسة تقويض دول المنطقة وزعزعة استقرارها.

أما التقرير السنوي بشأن الإرهاب فهو يقوم على اختلاق تصورات ترسم في ضوء خطوطها استراتيجية عامة تشكل محاولة لتفسير قراراتها وخطواتها في الأسابيع والشهور المقبلة. فمجلس الأمن هو الغطاء الشرعي لسياسة مقررة سلفاً أما التقرير فهو الإطار الميداني لمشروع عام ترتب فيه محور الاعداء المفترضين أو المحتملين.

التقرير الأخير الذي صدر بالتزامن مع بدء جلسات مجلس الأمن للبحث بالخطوات المقترحة ضد إيران يكشف عن زوايا كثيرة في رؤية إدارة البيت الأبيض وتعاملها مع ما تسميه المخاطر التي تهدد أمن الولايات المتحدة. فالتقرير يتحدث عن الإرهاب ويرى أنه لايزال يشكل الخطر الأول وهو في مراحله الأولية وبالتالي فإن الحرب ضده «طويلة الامد» تمتد إلى «سنوات مقبلة».

الذريعة إذاً لاتزال قائمة وهي تشكل نقطة ارتكاز لسياسات أميركا في السنوات المقبلة. والإرهاب بحسب التعريف الأميركي متعدد الوجوه ويتوزع على انماط مختلفة. فهناك المنظمات والحركات «المجهولة» التي لا يعرف أولها من آخرها ومن يمولها ويحركها، وهناك الدول التي تتهمها بدعم الإرهاب وتسهيل أنشطته. وهذه الدول بحسب التعريف الأميركي معروفة ومحددة المكان وواضحة العنوان. وبما أن المنظمات الإرهابية قادرة على التكيف والتأقلم فهذا يعني أن واشنطن تواجه صعوبات في محاصرتها وملاحقتها. بينما الدول المتهمة بدعم الإرهاب فهي الأقل قدرة على التكيف والتأقلم وبالتالي فهي من الأهداف السهلة التي يمكن التعامل معها بالضغط الدبلوماسي أو فرض عقوبات أو استخدام القوة ضدها إذا تطلب الأمر.

وتحت غطاء هذه الأكاذيب النظرية والاتهامات المختلقة يبدأ التقرير بتعداد تلك الدول التي تفترض واشنطن أنها تدعم الإرهاب ومنظماته المجهولة. أول الدول بحسب التقرير الملفق تحتل إيران المرتبة الأولى، فهي «أكثر الدول نشاطاً في دعم الإرهاب». بعدها تأتي سورية على رغم أن التقرير يرى أنها لم ترتكب أي عمل إرهابي منذ العام 1986 (منذ عشرين سنة)، ولكنه يستغل التحقيق بشأن جريمة اغتيال رفيق الحريري ليشير إلى احتمال تورط دمشق في ذاك الفعل.

التقرير إذاً حدد التوجهات العامة للسياسة الأميركية في المنطقة وهي تقوم على خطوتين: إيران أولاً وسورية ثانياً.

بعد التحديد يلجأ التقرير إلى شرح اختلاقاته بتعيين مجال النشاط الإرهابي أو الميدان الذي تتحرك فيه طهران ودمشق، مشيراً إلى نقاط ثلاث: الأولى العراق، الثانية فلسطين، والثالثة حزب الله في لبنان.

الحلقات إذاً واضحة في تصورات الإدارة الأميركية. فالتقرير يتهم إيران مباشرة وسورية من بعيد الوقوف وراء تحريك الأنشطة المضادة للسياسة الأميركية من خلال تمويل أو تمرير الأسلحة أو تسهيل انتقال المجموعات إلى العراق ولبنان وفلسطين.

عملية الربط بين إيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين توضح ذاك التوجه الذي تبتغيه واشنطن من المنطقة في الفترة المقبلة مستخدمة في ذلك ذرائع شتى أبرزها موضوع اغتيال الحريري ومسألة الملف النووي. موضوع الاغتيال يشكل ثغرة تحاول أميركا النفاذ منها لممارسة الضغط على دمشق بهدف محاصرتها أو عزلها أو إثارة مشكلات ضدها. ومسألة طموحات إيران في «تطوير برنامجها النووي» تشكل أيضاً قاعدة انطلاق للضغط على طهران بشأن سياستها الإقليمية. والأمر الأخير يفسر سبب حماس أميركا لاستدراج مجلس الأمن نحو اتخاذ قرار دولي تحت بند «الفصل السابع» الذي يجيز لها اللجوء إلى العقوبات أو استخدام القوة.

التزامن إذاً بين صدور التقرير السنوي وبدء مناقشة مجلس الأمن الملف الإيراني ليس مصادفة. فالتزامن مقصود وهو يعكس رغبة أميركية في إصدار بيان دولي من جانب مجلس الأمن بهدف استخدامه ورقة ضغط تربط بين القرار والتقرير. فالقرار هو مظلة دولية تستقوي به واشنطن ضد طهران والتقرير هو تفسير خاص للولايات المتحدة لفقرات القرار. وبين القرار المفترض والتقرير المختلق يمكن قراءة تفصيلات كثيرة في السياسة الأميركية في المنظور القريب

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1332 - السبت 29 أبريل 2006م الموافق 30 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً