العدد 1331 - الجمعة 28 أبريل 2006م الموافق 29 ربيع الاول 1427هـ

جولة في حوار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الجولة السادسة من الحوار الوطني اللبناني بدأت أمس في بيروت وسط توقعات بعدم قدرة الأطراف المحلية على التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن النقاط الخلافية. وعدم الاتفاق على تصور نهائي للأزمة لا يعني أن إمكانات التوصل إلى تسوية مؤقتة مسألة معدومة.

لبنان دولة صغيرة، لكنه من البلدان المعقدة في تركيبها الاجتماعي. فالمساحة الجغرافية محدودة، لكن تاريخ البلد ممتد ومتداخل نظراً إلى تنوع طوائفه ومناطقه ومذاهبه. وبسبب هذا التعدد الذي لا مثيل له يصعب على فرقاء الدولة الاتفاق على صيغة نهائية. طبيعة البلد الاجتماعية/ الطائفية فرضت على الدولة التكيف الدائم مع تحولاته السكانية ونموه الاقتصادي المتفاوت بين منطقة وأخرى. كذلك تعتمد الدولة سلسلة هياكل شكلت نوعاً من التفاهمات بين طوائفه وزّعت المواقع والمقاعد وفق أنظمة محاصصة قسمت المجتمع إلى كتلتين متساويتين (مسيحية ومسلمة) ثم شرَّحت كل كتلة إلى مجموعات تتقاسم نسبياً حصتها. إضافة إلى ذلك اعتمدت الدولة نظام الامتيازات بذريعة حماية الأقليات وضمان حصتها والحد من مخاوف ناجمة عن احتمال نمو أكثرية عددية.

نظام الامتيازات قرر إلغاء فكرة المواطن أو المواطنية وهذا ما أضعف الدولة وعطل إمكانات توحيدها للمجتمع في إطار دستوري لا يميز بين لبناني وآخر. مثلاً لا يحق للمسلم أن يترشح إلى منصب رئاسة الجمهورية، كذلك لا يحق للمسيحي غير الماروني أن يتربع على هذا الكرسي. فالرئاسة من حصة الموارنة. كذلك لا يحق للمسيحي أن يترشح إلى منصب رئاسة مجلس النواب، ولا يحق لغير الشيعي أن يحتل هذا الكرسي. كذلك لا يحق للمسيحي أو الشيعي أو الدرزي أن يترشح لموقع رئاسة مجلس الوزراء. فهذا المنصب محجوز للسنة فقط.

إلى كل هذه التوزيعات الطائفية والمذهبية للمقاعد الثلاثة الأولى اتفق أيضاً على تقسيم الوظائف العليا وفق نظام تراتبي مذهبي يعطي لكل طائفة حصتها. مثلاً قيادة الجيش محصورة في إطار الطائفة المارونية بذريعة أن المؤسسة العسكرية هي ضمانة للطوائف المسيحية وتشكل جهازاً للحماية من الغالبية العددية المسلمة. إضافة إلى المؤسسة العسكرية وأجهزتها الأمنية توافقت الطوائف على نظام محاصصة لكل المؤسسات المدنية والخدمية والدبلوماسية والحكومية (الوزارات موزعة مذهبياً).

هذا «الكوكتيل» الطائفي المذهبي المناطقي من الصعب أن يتفاهم على صيغة نهائية للحل لا في الجولة السادسة ولا في الجولة السابعة بعد المئة. فالصيغة النهائية مجرد حلم من الصعب تصوره في واقع الأمر. فالواقع اللبناني متحرك وهذا يعني أن كل الحلول مجرد تسويات مؤقتة تتغير وتتبدل ظرفياً ومكانياً. فالطوائف اللبنانية متحركة وغير جامدة. فهي تنمو ديموغرافيا (سكانياً) بشكل متفاوت وغير متساوٍ. وهي أيضاً متحولة ظرفياً بين عقد وآخر من الزمن. كذلك فهي متنقلة مكانيّاً من الريف إلى المدينة بين عقد وآخر. وهي أيضاً طوائف تمتلك حيوية داخلية تعتمد هيكليات وقوانين خاصة للأحوال الشخصية ومؤسسات تربوية واجتماعية وثقافية مستقلة نسبياً عن إشراف الدولة.

هذا النوع من الدول من الصعب التوقع منه تفاهمات نهائية على صيغة ثابتة ودائمة. فالثابت اللبناني متحرك والدائم مؤقت نظراً إلى طبيعة الكيانات الاجتماعية وخصوصياتها الطائفية والمذهبية التي وزعت التكتلات إلى أقليات كبيرة وأقليات صغيرة. فالبلد هو أشبه بوعاء طبيعي/ سياسي تتعايش فيه أقليات لا أكثريات. فالأكثرية في لبنان أقلية. ولهذا لجأ المشرعون إلى صوغ دستور يأخذ هذه التكوينات (الفسيسفاء) في الاعتبار. فالكل موجود ولكل فريق حصته المضمونة دستورياً مهما تراجع التعداد السكاني لهذه الطائفة أو ذاك المذهب.

هذا الواقع أطلق عليه «النموذج اللبناني». ونموذجيته نابعة من قدرته على التكيف مع المتغيرات ومنعها أيضاً. أي أنه لا يسمح بتعديل التفاهمات الدستورية. فالدستور ثابت في إطار حماية الطوائف وضمان حصصها والحد من قلقها ومخاوفها وهو غير ثابت من جهة قدرته على التماثل مع الواقع في إطار إعادة ترتيب المواقع والمقاعد من دون مساس بالتوازنات المتوافق عليها عرفاً.

تحت هذا السقف السياسي/ الدستوري يمكن قراءة كل الخلافات التي تطرأ في لبنان، كذلك وتحت السقف نفسه يمكن قراءة كل التوقعات المرجوة أو المحتملة من جولة الحوار السادسة. فالحوار موجود لمعالجة مشكلات. والمشكلات موجودة ولن تضمحل نظراً إلى صعوبة الاتفاق على صيغة نهائية في بلد اعتمد منطق التسويات المؤقتة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1331 - الجمعة 28 أبريل 2006م الموافق 29 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً