العدد 1331 - الجمعة 28 أبريل 2006م الموافق 29 ربيع الاول 1427هـ

«بشر» يعيشون في حاويات

رواتبهم تتأخر... جوع وخوف... وبلاغات هنا وهناك...

لم يكن من الممكن أن يبقوا في تلك الحظيرة المتهالكة المليئة بالحشرات مدة أطول... فعلاوة على انعدام الكهرباء فيها، وسوء المياه، كانت مشكلة الحشرات والقوارض التي تملأ عشتهم تهدد صحتهم أيضاً، فيما كان الكفيل يضرب بتوسلاتهم لإيجاد مكان يعيشون فيه بدلاً عن هذه «العشة» عرض الحائط.

كانت تلك القصة القصيرة، هي قصة 3 عمال يعملون في إحدى المزارع، وهي ليست القصة النادرة التي لا تحدث في البحرين إلا قليلاً، فهناك آلاف القصص من هذا القبيل، وإذا كنا نتفق على أن أوضاع هؤلاء البشر يجب أن تحترم طبقاً للشرع والقانون، فإن مسائل كثيرة ارتبطت بقضية سوء معاملة العمال الوافدين تتطلب ايصالها إلى المسئولين في وزارة العمل وفي الجهات الأخرى في العلاقة ذاتها.

وفي مقابل الظواهر السلبية المقلقة التي تسببها العمالة الوافدة، والسائبة منها تحديداً، كما طرحنا خلال الايام الماضية على صفحات «الوسط»، فإن هناك جانباً آخر، وهو المتعلق بسوء معاملة هؤلاء الناس من جانب بعض الكفلاء، وكما تحدثنا عن الضرر الواقع على المجتمع منهم، لابد أن نشير إلى الضرر الواقع عليهم أيضاً لوزن الكفة، لكي نتحدث عن قضية إنسانية... هي قضية «الحاويات» التي يعيش فيها أولئك الناس.

الكفلاء ليس لديهم وقت!

يعرف بعض الكفلاء الذين يكفلون عمالاً يعيشون في تلك الحاويات أنهم على خطأ، ويدركون جيداً أن أماكن السكن المخصصة لعمالهم ما هي إلا «حاويات» فعلاً... فلا تتوافر فيها أدنى متطلبات الحياة. ولذلك، فإن الكثير من أولئك الكفلاء تهربوا من الحديث معنا والإجابة على أسئلتنا بحجة أنهم ليس لديهم وقت، وأن الأوضاع في أماكن السكن على ما يُرام وللعمال حق الشكوى إذا أرادوا ذلك، وان الصحافة «لا يجب أن تدخل عصها في شي ما يخصها» بحسب وصف أحدهم.

بيد أنه في المقابل، تبدو تلك الحاويات، أو المخيمات، أو علب السردين، و... تتنوع تسمياتها، تبدو في حال موجعة للغاية، وبحسب المسئولين في وزارة العمل، فإن هناك حملات تفتيش تتجه إلى المنشآت وأماكن العمل والمصانع والورش ومناطق سكن العمال للتأكد من الالتزام بالاشتراطات، إلا أنه فعلاً... المخالفات كبيرة والمتنفذون لا يكترثون بالقانون ولا يعترف البعض منهم بأن هؤلاء العمال (بشر) وليسوا سخرة كسخرة فرعون، إلا أنهم يجدون في هذه القضايا أمراً سهلاً يمكن تجاوزه بسهولة، وهناك أيضاً من يتحرك للنظر في أوضاع هؤلاء العمال كأقسام الرعاية في السفارات وكذلك جمعية حماية العمالة الوافدة التي تبذل جهداً كبيراً لتقصي الحقائق عن هذه الظروف.

ويظهر العمال، من جنسيات مختلفة، في صورة مألوفة... ربما شاهدت منظراً مرعباً مشاهداً عبر شاشة التلفزيون من معتقل غوانتنامو، أو أحد المعتقلات الإسرائيلية، لكن، لا يمكن القول إن كل الأماكن المخصصة لسكن العمال، التي تتبع كل الشركات... سيئة إلى درجة مخالفة القانون، فهناك مؤسسات وشركات تراعي ظروف المعيشة الإنسانية للعمال... ولننتقل إلى قراءة بعض المشاهد:

توقفوا عن العمل... فأين الرواتب؟

يعيش في مكان عمل للعمال في سترة نحو 24 عاملاً تقريباً (هنود وباكستانيون)، الذي هو أيضاً في حال سيئة! يقول العمال إنهم لم يتسلموا رواتبهم منذ مايو/ أيار العام الماضي، فقاموا برفع دعوى لدى وزارة العمل بتاريخ 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، وتم استدعاء صاحب العمل إلى الوزارة في 24 من الشهر نفسه، وتم إعلامه بواسطة المحكمة العمالية بأن يدفع الرواتب المتأخرة لهم.

لم يحدث شيء بعد ذلك الوقت، لذلك توقف الرجال عن العمل بتاريخ 22 فبراير/ شباط الماضي ثم عاودوا العمل مرة أخرى بتاريخ 4 مارس/ آذار الماضي عندما وعدهم بتسليم بعض المستحقات، لكن عندما لم يحدث ذلك توقفوا عن العمل مرة أخرى بتاريخ 25 مارس الماضي.

وحولت المحكمة العمالية القضية إلى وزارة العدل وانتدبت المحكمة محامياً التقى بصاحب العمل الذي وعد كالمعتاد ببيع بعض ممتلكاته ليدفع رواتب العمال، لكن حتى تاريخه لم يحدث شيء.

يقول أحد المتابعين لقضيتهم من جانب جمعية حماية العمال الوافدين... يعيش هؤلاء العمال على صدقة المنظمات المختلفة (الأصدقاء والمتبرعين)، لكنهم لم يرسلوا أي أموال إلى بلدهم لعائلاتهم منذ شهور عدة، وقامت الجمعية بإرسال كمية من المواد الغذائية الجافة والطازجة وأدوات التنظيف لهذا المخيم بتاريخ 2 أبريل/ نيسان الجاري، كما نقلت أحد العمال إلى المستشفى لإجراء الفحص الطبي الكامل له، إذ كان يعاني من آلام في صدره، وتجرى ترتيبات علاجه لدى استشاري في أمراض القلب بمجمع السلمانية الطبي.

والمشكلة الكبرى أيضاً، هي أن صاحب العمل لا يدفع لصهاريج شفط المجاري ما أدى إلى حدوث طفح كبير يمكن تخيل خطورته، ما دفع منظمة «صاوريا» الخيرية إلى التدخل من أجل ترتيب عملية الشفط، فيما تقدمت السفارة الهندية بطلب لوزارة العمل تطلب منها النظر في القضية.

دعوى قضائية جماعية

يعيش نحو 45 رجلاً (هنود، باكستانيون ونيباليون) في مخيم بإحدى المناطق الصناعية، وهو في حال سيئة جداً... جميع هؤلاء العمال عملوا في هذه الشركة لمدة سنوات من الخدمة، وكانت مشكلتهم الرئيسية المعتادة هي تأخير دفع الأجور التي تمتد إلى ما يزيد على 3 أشهر.

وبسبب تأخير الرواتب والظروف السيئة الأخرى، استقال 36 شخصاً من الشركة منذ أشهر عدة مضت، لكن لم يتم دفع مستحقاتهم المعلقة أو التعويض عنها.

ويقول تقرير جمعية حماية العمال الوافدين بشأن هذه القضية. منذ نحو 8 أشهر مضت، رفعوا دعاوى قضائية جماعية بعد الاستعانة بمحامين مختلفين، لكن لم يتم إعلامهم بأي تقدم، حتى الآن لم يتسلموا أية مدفوعات ولم يتوصلوا إلى أي قرار مع الإدارة، وهم يعتقدون بأن الاستدعاء القادم سيتم مع نهاية شهر مايو المقبل.

نقطة الإشكال هنا، هي أنه بسبب القضايا المرفوعة، لا يستطيع أي من هؤلاء الناس أن يعمل في وظيفة أخرى في مكان آخر ولا يستطيعون أيضاً مغادرة البلاد، والطريقة الوحيدة للمغادرة، هي إسقاط دعاواهم القضائية، وبالتالي خسارة دفعاتهم المستحقة ورسوم المحامين وربما من المحتمل أن يدفعوا من أموالهم الخاصة ثمن تذاكرهم وثمن إلغاء التأشيرة (هذا إذا تم إرجاع جوازات سفرهم إليهم).

حالياً، يواصل 10 من العمال الذهاب إلى العمل من دون تسلم أجور، ولا يتمكن أي منهم من إرسال المال إلى عائلته منذ أشهر عدة مضت.

التعقيد من زوايا عدة!

ويرى الكثير من المحامين والقانونيين الذين يتابعون هذه القضايا، أن التعقيد في هذه الظاهرة، التي لا تقتصر فقط على سوء أماكن السكن وتأخر الرواتب، بل تشمل أحياناً معاملة قاسية يتعرض لها العمال من جانب الكفلاء تصل إلى حد التعذيب الجسدي، وهذه التجاوزات لا تردع من قبل المحاكم لأن القضايا تتأخر كثيراً ويصول الكثير من العمال ويجولون ليسببوا تعقيداً لظاهرة أخرى في المجتمع الذي يعج بالفوضى والعمالة السائبة، لكن يبدو أنه ليس هناك حال من الجدية في التعاطي مع مثل هذه القضايا من قبل كل الجهات، وإلا لكان التشديد في تطبيق القوانين، وكذلك النظر إلى أوضاع القطاعات المختلفة والمؤسسات والمنشآت التي تعاني من مشكلات كثيرة، وجمع كل المعنيين ليضعوا نقاطاً للحل، حتى مع وجود هذا التوجه، لن يتم القضاء على هذه المشكلة بسهولة

العدد 1331 - الجمعة 28 أبريل 2006م الموافق 29 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً